الهجرة إلى المدينة

عندما اشتد أذى المشركين على المسلمين جاءهم الأمر من الله تعالى بالهجرة وإقامة الدِّين في أرض يستطيعون عبادة الله فيها، واختار تعالى لهم المدينة داراً للهجرة،[١] وقد روى أبو موسى الأشعري عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّه قال: (رَأَيْتُ في المَنامِ أنِّي أُهاجِرُ مِن مَكَّةَ إلى أرْضٍ بها نَخْلٌ، فَذَهَبَ وهَلِي إلى أنَّها اليَمامَةُ أوْ هَجَرُ، فإذا هي المَدِينَةُ يَثْرِبُ، ورَأَيْتُ في رُؤْيايَ هذِه أنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا، فانْقَطَعَ صَدْرُهُ فإذا هو ما أُصِيبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَومَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ بأُخْرَى فَعادَ أحْسَنَ ما كانَ فإذا هو ما جاءَ اللَّهُ به مِنَ الفَتْحِ، واجْتِماعِ المُؤْمِنِينَ ورَأَيْتُ فيها بَقَرًا، واللَّهُ خَيْرٌ فإذا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَومَ أُحُدٍ، وإذا الخَيْرُ ما جاءَ اللَّهُ به مِنَ الخَيْرِ وثَوابِ الصِّدْقِ، الذي آتانا اللَّهُ بَعْدَ يَومِ بَدْرٍ).[٢]


أول صحابي هاجر إلى المدينة

كان أوّل من هاجر من أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة الصحابيين الجليلين؛ مصعب بن عمير، وابن أمّ مكتوم، فقد أخرج البخاري عن البراء بن عازب قوله:[١](أَوَّلُ مَن قَدِمَ عَلَيْنَا مِن أصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، وابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلَا يُقْرِئَانِنَا القُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ، وبِلَالٌ، وسَعْدٌ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ في عِشْرِينَ ثُمَّ جَاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَما رَأَيْتُ أهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بشيءٍ، فَرَحَهُمْ به حتَّى رَأَيْتُ الوَلَائِدَ والصِّبْيَانَ، يقولونَ: هذا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ جَاءَ فَما جَاءَ، حتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} في سُوَرٍ مِثْلِهَا).[٣]


مصعب بن عمير

هو مصعب بن عُمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي، يُكنى بأبي عبد الله، كانت ولادته في الجاهلية، كان شابًّا مُنعّماً عند والديه، عُرف بجماله وحُسن كسوته.[٤]


هجرة مصعب بن عمير

أسلم في دار الأرقم، وخاف من أمه فكان إسلامه سِرّاً، علِم عثمان بن طلحة العبدري بإسلامه فأخبر أهله، فحبسوه إلى أن استطاع الهجرة إلى الحبشة، ثمَّ رجع إلى مكة، وعندما كتب الأنصار لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ليبعث لهم بمن يفقههم في الدين ويُقرؤهم القرآن، بعث إليهم بمصعب بن عمير -رضي الله عنه-، فكان ذلك السبب الذي أدى إلى هجرته إلى المدينة، ونزل فيها عند أسعد بن زرارة.[٤]


كما قال عنه سعد بن أبي وقاص: "كان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة، وأجوده حلة مع أبويه، ثُمَّ لقد رأيته جهد في الإسلام جهدًا شديدًا، حتّى لقد رأيت جلده يسقط كما يسقط جلد الحية"، وقال البراء بن عازب: "أول المهاجرين مصعب بن عمير"، وذكره أبو هريرة قائلاً: "رجل لم أَرَ مثله كأنه من رجال الجنة".[٤]


دعوة مصعب بن عمير للإسلام

كان مصعب بن عمير يدعو الأنصار إلى الإسلام في دُورهم وقبائلهم، وقد أسلم على يده أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وعمرو بن الجموح، ثم خرج إلى بيعة العقبة الثانية مع السبعين الذين لقوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة، شهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلّم- بدرًا وأحداً، وكان معه لواء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واستُشهد -رضي الله عنه- في أُحد في السّنة الثالثة للهجرة، وقد قتله ابن قثمة الليثي.[٤]


ابن أمّ مكتوم

من هو؟

هو عبد الله ابن قيس بن زائدة بن الأصم، وقيل أنَّ اسمه كان الحصين فسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله، أمُّه هي أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة ابن عائذ بن مخزوم، وهو ابن خال أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-، من المسلمين الأوائل في مكة، كان -رضي الله عنه- ضريراً، فعندما نزل قول الله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}،[٥] قال ابن أم مكتوم: "أيْ ربِّ أَنْزِل عُذري"، فأنزل الله تعالى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}،[٥] فكان يغزو -رضي الله عنه- ويقول: "ادفعوا إليّ اللواء، فإنّي أعمى لا أستطيع أن أفرّ، وأقيموني بين الصّفَّين".[٦]


هجرة ابن أمّ مكتوم

كان ابن أمّ مكتوم من أوائل المهاجرين إلى المدينة، هاجر قبل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وقد رُوي عن البراء بن عازب قوله: "أول من أتانا مهاجرًا مصعب بن عمير ثم قدم ابن أم مكتوم"، ومع أنَّه كان ضريراً فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يستخلفه على المدينة عندما يخرج في غزواته، وكان يصلي بالناس، واستشهد -رضي الله عنه- في معركة القادسية، قال الزبير بن بكار: "خرج إلى القادسية فشهد القتال، واستشهد هناك، وكان معه اللواء حينئذٍ".[٦]


المراجع

  1. ^ أ ب فريق موقع الاسلام سؤال وجواب (11/10/2002)، "حديث الهجرة"، الاسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 2/5/2021. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:3622 ، حديث صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:4941، حديث صحيح.
  4. ^ أ ب ت ث فريق موقع طريق الاسلام (20/3/2014)، "من أبطال الهجرة.. مصعب بن عمير "، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2/5/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة النساء، آية:95
  6. ^ أ ب د. راغب السرجاني (1/5/2006)، "عبد الله بن أم مكتوم"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2/5/2021. بتصرّف.