فضل عبد الله بن مسعود


أقرب الصحابة بالنبي -عليه السلام- وأكثرهم اقتداء به

عُرف عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- بكثرة ملازمته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان دائم الملازمة له في حلّه وترحاله، يقوم على خدمته في أكثر شؤونه، فهو صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووساده، وسواكه، ونعليْه، وطهوره في السفر؛ يلبسه نعله إذا قام، ويخلعه ويحمله في يده إذا جلس، ويمشي أمامه إذا سار، ويوقظه إذا نام، ويستره إذا اغتسل، ويدخل عليه بيته بغير حجاب، حتى ظنّ أنه من أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.[١]


وهذا مما لا شكّ فيه أن له الأثر البالغ في تأثر ابن مسعود بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان يشبهه في هديه وسمته، والاتصاف بأخلاقه، دلّ على ذلك ما جاء في الحديث: (سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عن رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ والهَدْيِ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى نَأْخُذَ عنْه، فَقالَ: ما أعْرِفُ أحَدًا أقْرَبَ سَمْتًا وهَدْيًا ودَلًّا بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ)،[٢][٣]


سماع النبي -عليه السلام القرآن- من ابن مسعود

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يسمع القرآن بصوت ابن مسعود العذب الرقيق، فطلب منه ذات مرة أن يقرأ عليه، فقال عبد الله: " أقرأ عليك وعليك أُنزل؟" فقال له: "إني أشتهي أن أسمعه من غيري"، فقرأ عليه سورة النساء حتى إذا بلغ آية: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)،[٤] قال له النبي: أمسك، فالتفت إليه ابن مسعود وقد فاضت عيناه -صلى الله عليه وسلم-.[٥][٦]


شهادة النبي -عليه السلام- له بالفضل والعلم

شهد النبي -صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود بالعلم والفضل في كثير من المواقف، من ذلك:[٧]

  • (ذُكِرَ عبدُ اللَّهِ عِنْدَ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو، فَقالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لا أزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ ما سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: اسْتَقْرِئُوا القُرْآنَ مِن أرْبَعَةٍ؛ مِن عبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ -فَبَدَأَ به-، وسَالِمٍ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ، وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، ومُعَاذِ بنِ جَبَلٍ. قالَ: لا أدْرِي بَدَأَ بأُبَيٍّ، أوْ بمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ).[٨]
  • (أنَّ أبا بَكرٍ، وعُمرَ، بشَّراه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد).[٩]
  • (أمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ابنَ مسعودٍ فصعِد على شجرةٍ أمَره أنْ يأتِيَه منها بشيءٍ، فنظَر أصحابُه إلى ساقِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ حينَ صعِد الشجرةَ، فضحِكوا من حُموشةِ ساقَيْه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما تَضحَكونَ؟ لَرِجْلُ عبدِ اللهِ أثقَلُ في الميزانِ يومَ القيامةِ من أُحُدٍ).[١٠]


مكانته ومنزلته العلمية

كان ابن مسعود -رضي الله عنه- من كبار أعلام الصحابة -رضوان الله عليهم-، ومن نجباء الصحابة العالِمِين، فقد كان من أحفظ الصحابة لكتاب الله -تعالى-، وأعلمهم في تفسيره، حيث قال -رضي الله عنه-: (وَاللَّهِ لقَدْ أخَذْتُ مِن في رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِضْعًا وسَبْعِينَ سُورَةً، واللَّهِ لقَدْ عَلِمَ أصْحَابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي مِن أعْلَمِهِمْ بكِتَابِ اللَّهِ، وما أنَا بخَيْرِهِمْ).[١١]


كما واشتهر -رضي الله عنه- بكثرة روايته للحديث، وبرع في الفقه والفتوى، فكان يلقّب بفقيه الأمة، لعلمه الغزير في الفقه والفتيا،[١٢] وقد بعثه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقيهاً وقاضياً إلى أهل الكوفة، فكان يعلّم الناس الحديث والقرآن، ويفتيهم في أمورهم، ويقضي بينهم،[١٣] فكان مفسراً من أعظم مفسري الصحابة، ومحدثاً من أكابر محدثيهم، ومعلماً فريداً، وفقيهاً كبيراً، ومفتياً مسدد الخطى.[١٤]


حضوره المشاهد كلها

شهد -رضي الله عنه- المشاهد والغزوات كلها، فكان ممن هاجر الهجرتين، وصلى إلى القبلتين، وشارك مع النبي -صلى الله عليه وسلم الغزوات كلها، واستمر على هذا النهج مع الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.[١٥]


المراجع

  1. محمد حسان، سلسلة مصابيح الهدى، صفحة 5. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:3762، صحيح.
  3. "عبد الله بن مسعود"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2022. بتصرّف.
  4. سورة النساء، آية:41
  5. عبد الجواد خلف، مدخل إلى التفسير وعلوم القرآن، صفحة 87. بتصرّف.
  6. محمد حسان، سلسلة مصابيح الهدى، صفحة 6. بتصرّف.
  7. عبد الستار الشيخ، عبد الله بن مسعود عميد حملة القرآن وكبير فقهاء الإسلام، صفحة 369-371. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:3758، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:114، صحيح.
  10. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:920، صحيح لغيره.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:5000، صحيح.
  12. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 461. بتصرّف.
  13. أبو إسحاق الشيرازي، طبقات الفقهاء، صفحة 43-44. بتصرّف.
  14. عبد الجواد خلف، مدخل إلى التفسير وعلوم القرآن، صفحة 87-89. بتصرّف.
  15. "عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من مفسري الصحابة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2022. بتصرّف.