مؤاخاة عبد الرحمن بن عوف

آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- عند هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع -رضي الله عنهما-، وقد عرض عليه سعد بن الربيع أن يعطيه نصف ماله، وأن يختار عبد الرحمن إحدى زوجتيْه، ليقوم بتطليقها ويتزوجها بعد انقضاء عدتها، فرفض عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- كل ذلك، ودعا له بالبركة والرزق في ماله وأهله، وطلب منه أن يدلّه على السوق، فذهب إلى السوق، فرجع منه ومعه بعض السمن واللبن، فباع، واشترى، وربح، وكسب مالاً كثيراً، حتى أصبح أكثر المسلمين مالاً، وتاجراً موفقاً في التجارة.[١][٢]


وقد أورد البخاري في صحيحه نص هذه القصة، حيث رواها عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- فقال: (لَمَّا قَدِمْنا المَدِينَةَ آخَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيْنِي وبيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، فقالَ سَعْدُ بنُ الرَّبِيعِ: إنِّي أكْثَرُ الأنْصارِ مالًا، فأَقْسِمُ لكَ نِصْفَ مالِي، وانْظُرْ أيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لكَ عَنْها، فإذا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَها. قالَ: فقالَ له عبدُ الرَّحْمَنِ: لا حاجَةَ لي في ذلكَ، هلْ مِن سُوقٍ فيه تِجارَةٌ؟ قالَ: سُوقُ قَيْنُقاعٍ. قالَ: فَغَدا إلَيْهِ عبدُ الرَّحْمَنِ، فأتَى بأَقِطٍ وسَمْنٍ، قالَ: ثُمَّ تابَعَ الغُدُوَّ...).[٣]


العِبر المستفادة من مؤاخاة عبد الرحمن بن عوف

يُستفاد من قصة مؤاخاة الصحابييْن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع -رضي الله عنهما- العديد من الفوائد والدروس، من أهمها ما يلي:[٤]


حُسن الإيثار من الغني للفقير

آثر سعد بين الربيع -رضي الله عنه- على نفسه في نصف ماله وإحدى زوجتيْه، وهذا دليل على كان عليه المهاجرون والأنصار فيما بينهم من المودة والمحبة والإيثار.


العفة وعزة النفس

كان واضحاً في موقف عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- عند رفضه لعرض سعد بن الربيع -رضي الله عنه-، فقد تعفّف -رضي الله عنه- وتنزّه عن قبوله الصدقة على الرغم من شدة حاجته، حيث هاجر من مكة المكرمة لا يملك شيئاً.


الحرص على العمل واستحباب التكسّب

ظهر هذا جلياً في موقف عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- عندما طلب أن يدلّوه على السوق، فقد فضّل التكسّب من تعبه وجهده، ورفض أن يكون عالة على غيره، وفي هذا دليل على مشروعية البيع وأنه من أفضل الوسائل لكسب المال الحلال، وأن العيش من عمل المرء بتجارة وحرفة ونحوه أولى من العيش بالهبة والصدقة من الغير.[٥]


حسن الظنّ بما عند الله من الرزق

إنّ من ترك شيئاً لله يعوضه الله خيراً منه وأفضل، حيث بارك الله -تعالى- في مال عبد الرحمن بن عوف ورزقه من واسع فضله، وأصبح تاجراً، ومن أغنى أغنياء المسلمين.


أهمية المؤاخاة

إن التآخي بين المهاجرين والأنصار مثالاً وأنموذجاً يحتذَى به، فكان الإيثار والعطاء ومد يد العون من المسلم لأخيه المسلم، وتقديمه على نفسه، نتيجةً للتآخي فيما بينهم، فقد جعل المسملين كرجلٍ واحدٍ، يؤمنون بعقيدةٍ واحدةٍ، ويعملون لهدفٍ واحدٍ، تحت إمرة قائدٍ واحدٍ. [٦]


المراجع

  1. ياسر الحمداني، موسوعة الرقائق والأدب، صفحة 3139. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 239. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم:2048، صحيح.
  4. موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 189-190. بتصرّف.
  5. "عبد الرحمن بن عوف"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 27/7/2022. بتصرّف.
  6. محمود شيت خطاب، الرسول القائد، صفحة 70-71. بتصرّف.