الصحابي معاذ بن جبل


اسمه ونسبه ونشأته

هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عديّ بن كعب بن عمرو بن أُدَي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جُشم الأنصاري الخزرجي، وكنيته أبو عبد الرحمن، واسم أمه هند بنت سهل من قبيلة جهينة، نشأ وعاش-رضي الله عنه- في بني سلمة رغم أنه من بني أُدَي؛ وذلك لأن أمّه تزوجت بعد وفاة أبيه بالجدّ بن قيس؛[١] وهو رجلٌ من أشراف بني سلمة، صاحب مكانة بين قومه وعشيرته، إلا أنه عُرف بنفاقه فكان من المنافقين، كما أنه اشتهر ببخله، وبالرغم من ذلك فإن معاذ بن جبل لم يتأثر به وبسوء أخلاقه، بل كان ذا خلقٍ حسنٍ وسيرةٍ عطرة.[٢]


إسلامه وجهاده

أسلم -رضي الله عنه- عندما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير إلى المدينة المنورة مع الأنصار الذين حضروا بيعة العقبة الأولى؛ لنشر الإسلام وتعليم الناس أمور دينهم وتقريئهم القرآن الكريم، فأسلم معاذ -رضي الله عنه- وكان عمره ثمانية عشر عاماً، وقد شهد بيعة العقبة الثانية، حيث ذهب مع قومه من الأنصار إلى مكة المكرمة في موسم الحج، فكان ممن بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- بيعة العقبة الثانية.[٣][٤]


وشهد -رضي الله- جميع الغزوات والمشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فشهد بدراً وأحداً، والحديبية والفتح، حتى غزوة تبوك، ثم أرسله -عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن، وسار على هذا الطريق بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، فشارك في فتوحات الشام والمعارك في عهد أبي بكر وعمر، وكان الساعد الأيمن لأبي عبيدة بن الجراح عندما كان أميراً على بلاد الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حيث استلم القيادة العامة في الشام بعد وفاة أبي عبيدة بطاعون عمواس.[٥]


صفته وشخصيته

كان -رضي الله- من أخير شباب الأنصار وأحسنهم، حيث كان شاباً جميلاً وسيماً، طويلاً أبيضاً، وضيء الوجه، حسن المبسم، أكحل العينين، برّاق الثنايا؛ وهي الأسنان التي في مقدمة الفم، شعره متجّعد قطط؛ أي قصيرٌ أجعدٌ؛ ليس مسترسلاً ناعماً.[٦][٧]


وكان -رضي الله عنه- يتصف بطيب الأخلاق والصفات، فاشتهر بحكمته وعلمه، وذكائه وشجاعته، وكرمه وعطائه، وزهده وورعه، وحلمه وحيائه، فكان شاباً ذا عقلٍ وفطنةٍ، وهيبةٍ ووقارٍ، حليماً حييّاً،[٨] سخياً كريماً، زاهداً ورعاً، شجاعاً حكيماً، يُحسن الكلام والفصل في الأمور، يغلب عليه سمت العلماء والحكماء.[٩][١٠]


مكانته عند رسول الله

كان -رضي الله عنه- له مكانة عالية عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمنذ أن هاجر -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة المنورة لزمه معاذ في الحضر والسفر وتقرّب منه، وحرص على التعلّم منه والأخذ عنه، وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يحبه حباً عظيماً، ويخصّه ببعض الوصايا والأحاديث، فقال له: (يا معاذُ ! واللهِ إني لَأُحِبُّكَ ، أُوصِيكَ يا معاذَ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ أن تقولَ : اللهم أَعِنِّي على ذِكْرِكَ ، وشُكْرِكَ ، وحُسْنِ عبادتِكَ).[١١]


ومما يدل على محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ أنه كان يردفه أحياناً خلفه على دابته، فيقول معاذ: (بيْنَا أنَا رَدِيفُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليسَ بَيْنِي وبيْنَهُ إلَّا أخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقالَ: يا مُعَاذُ بنَ جَبَلٍ، قُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قالَ: يا مُعَاذُ، قُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قالَ: يا مُعَاذُ، قُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ، قالَ: هلْ تَدْرِي ما حَقُّ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: حَقُّ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ أنْ يَعْبُدُوهُ ولَا يُشْرِكُوا به شيئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قالَ: يا مُعَاذُ بنَ جَبَلٍ، قُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ، فَقالَ: هلْ تَدْرِي ما حَقُّ العِبَادِ علَى اللَّهِ إذَا فَعَلُوهُ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: حَقُّ العِبَادِ علَى اللَّهِ أنْ لا يُعَذِّبَهُمْ).[١٢]


علمه

إن أبرز ما تميّز به معاذ -رضي الله عنه- في حياته علمه، فكان يبلغ منزلة عالية من العلم والفقه بين الصحابة، وقد شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك، بوصفه أنه أعلم الناس بالحلال والحرام، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (أرْأَف أمتي بأمتي أبو بكرٍ ، وأشدُّهم في دينِ اللهِ عمرَ ، وأصدقُهم حياءً عثمانُ ، وأقضاهم عليٌّ ، وأفرضُهم زيدُ بنُ ثابتٍ ، وأقرؤهم أُبَيُّ ، وأعلمُهم بالحلالِ والحرامِ معاذُ بنُ جبلٍ ، ألا وإنَّ لكلِّ أمةٍ أمينًا ، وأمينُ هذه الأمةِ أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ)،[١٣] حيث كان -رضي الله عنه- يفتي الناس في المدينة المنورة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعهد أبي بكر الصديق، فكان مرجع الصحابة، يُستفتى ويُسأل ويتعلمون منه.[١٤]


كما كان -رضي الله عنه- من كبار حفاظ القرآن الكريم، حيث اشتهر بحفظه وإتقانه، فكان أحد الصحابة الأربعة الذين أوصى -عليه الصلاة والسلام- أن يُؤخذ القرآن عنهم،[١٥] فجاء في الحديث: (سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: اسْتَقْرِئُوا القُرْآنَ مِن أرْبَعَةٍ؛ مِن عبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ -فَبَدَأَ به-، وسَالِمٍ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ، وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، ومُعَاذِ بنِ جَبَلٍ. قالَ: لا أدْرِي بَدَأَ بأُبَيٍّ، أوْ بمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ).[١٦][١٤]


وقد استخلفه النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة بعد فتحها ليعلّم أهلها القرآن ويفقههم في دينهم، وبعثه بعد غزوة تبوك إلى اليمن قاضياً ومعلّماً، كما وأرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في زمن خلافته إلى بلاد الشام ليعلّم أهلها أيضاً، فكان مرجعاً للصحابة والناس فيها.[١٤]


وفاة معاذ بن جبل

توفي -رضي الله عنه- في الشام بطاعون عمواس عند انتشاره، وكان قد أصيب به قبله ولداه وزوجتاه، وتوفّوا بسببه، ثم أصيب هو به، وكان وفاته في العام السابع عشر من الهجرة، وقيل الثامن عشر، وكان ما زال شاباً ، فكان عمره ثمانية وثلاثين عاماً، وقيل ثلاثة وثلاثين، وقيل أربعة وثلاثين -رضي الله عنه وأرضاه-.[١٥][١٧]


المراجع

  1. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 1402-1403. بتصرّف.
  2. عبد الحميد محمود طهباز، معاذ بن جبل إمام العلماء ومعلم الناس الخير، صفحة 13-16. بتصرّف.
  3. عبد الحميد محمود طهباز، معاذ بن جبل إمام العلماء ومعلم الناس الخير، صفحة 16-18. بتصرّف.
  4. خالد محمد خالد، رجال حول الرسول، صفحة 102. بتصرّف.
  5. عبد الحميد محمود طهباز، معاذ بن جبل إمام العلماء ومعلم الناس الخير، صفحة 30-36. بتصرّف.
  6. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 270. بتصرّف.
  7. ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، صفحة 107. بتصرّف.
  8. ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق، صفحة 369. بتصرّف.
  9. "معاذ بن جبل"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 13/10/2022. بتصرّف.
  10. خالد محمد خالد، رجال حول الرسول، صفحة 102-104. بتصرّف.
  11. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:7969، صحيح.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:5967، حديث صحيح.
  13. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:868، صحيح.
  14. ^ أ ب ت عبد الحميد محمود طهباز، معاذ بن جبل إمام العلماء ومعلم الناس الخير، صفحة 79-84. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، صفحة 187. بتصرّف.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:3758، حديث صحيح.
  17. عبد الحميد محمود طهباز، معاذ بن جبل إمام العلماء ومعلم الناس الخير، صفحة 41-42. بتصرّف.