أبو عبيدة بن الجراح

هو الصحابي الجليل عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشيّ الفهريّ، ويكنى بأبي عبيدة، صاحب المناقب والفضائل، فهو من السابقين الأولين في الإسلام، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد لقَّبه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمين الأمة، جاء في الحديث: (أنَّ أَهْلَ اليَمَنِ قَدِمُوا علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: ابْعَثْ معنَا رَجُلًا يُعَلِّمْنَا السُّنَّةَ وَالإِسْلَامَ قالَ فأخَذَ بيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقالَ: هذا أَمِينُ هذِه الأُمَّةِ)،[١] وكان بطلاً قوياً شجاعاً من فرسان الإسلام، فشارك في غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- جميعها، وأبلى فيها بلاءً حسناً، وقد ولاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على الشام، ففتح الله -تعالى- على يديه مُدُنَهَا، وتوفي أبو عبيدة -رضي الله عنه- في الأردن متأثراً بطاعون عمواس، في السنة الثامنة عشرة للهجرة، وكان عمره يوم وفاته ثمانيةً وخمسينَ عاماً.[٢]


صفات "أبو عبيدة بن الجراح" الخَلْقية

كان أبو عبيدة -رضي الله عنه- رجلاً طويلاً، نحيف الجسم، قليل لحم الوجه، خفيف اللحية، وكان في ظهره بعض الانحناء، وكان أهتماً أو أثرماً، أي مكسور الثَّنِيَّتين من أسنانه الأمامية العلوية، وذلك لأنَّه أخرج بأسنانه حَلَقَتَي المِغْفَر (الخوذة) اللتين دخلتا في وجنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد بسبب ضربةٍ أصابتهُ من المشركين، فكُسِرَت ثَنِيَّتَاهُ، فزاد ذلك الكَسْرُ من جمال وجه أبي عبيدة -رضي الله عنه- حتى قيل فيه: "ما رُئِيَ هَتْمٌ قَطُّ أَحسنُ مِن هَتْمِ أبي عبيدة".[٣]


صفات "أبو عبيدة بن الجراح" الخُلُقية

قوة الإيمان

كان أبو عبيدة -رضي الله عنه- من أوائل المؤمنين، وكان يتميز بإيمانه القوي الراسخ، وتصديقه الكامل للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتسليمِهِ لهُ في كل ما يقول أو ما يفعل، ومن المواقف الشاهدة على ذلك ما جرى يوم الحديبية، حيث قَبِلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- شروط المشركين في الصلح، على الرغم من قسوتها وشدتها على المسلمين، فاعترض عليها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأخذ يناقشُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أسكَتَهُ أبو عبيدة -رضي الله عنه- واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم.[٤]


الأمانة

وهي الصفة التي اشتُهر بها أبو عبيدة -رضي الله عنه وأرضاه- ووَصَفَهُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بها، فهو أمين الأمة الإسلامية، جاء في الحديث: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هذِه الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ)،[٥] وجاء في الحديث أيضاً: (جَاءَ أهْلُ نَجْرَانَ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: ابْعَثْ لَنَا رَجُلًا أمِينًا فَقَالَ: لَأَبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا أمِينًا حَقَّ أمِينٍ، فَاسْتَشْرَفَ له النَّاسُ فَبَعَثَ أبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ)،[٦] وقد قام الخليفةُ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بتعيينه أميراً على بيت مال المسلمين لما كان يعلم من أمانته العظيمة.[٧]


التواضع وحُسن الخُلُق

كان أبو عبيدة -رضي الله عنه- رجلاً ذا خُلُقٍ حسن، حليماً متواضعاً لأبعد الحدود، فقد وقف يوماً من الأيام بين جنوده وكان أميراً على الشام، فقال لهم: "يا أيها الناس! إني امرؤ من قريش، وما منكم من أحمر ولا أسود يَفْضُلُنِي بتقوى إلا وَددت أني في مسلاخه" يعني أنَّه كان يتمنى أن كون جزءاً من جسد أي رجلٍ يزيد عليه في التقوى مهما كان لونه ونسبه، ومن المواقف التي تُظهر تواضعه وحسن خلقه أيضاً، تنازُلُه عن الإمارة لعمرو بن العاص -رضي الله عنه- في غزوة ذات السلاسل، حين أرسل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أبا عبيدةَ على رأس مجموعة من الصحابة فيهم أبو بكر وعمر -رضي الله عنهم- مدداً وعوناً لعمرو حين طلب ذلك، فرفض عمرو أن يكون أبو عبيدة هو الأمير على الجيش بعد وصولِه إليه، فسَلَّم أبو عبيدةَ لهُ الإمارة بكل حِلمٍ وتواضع.[٨]


الزهد والورع

ومن الصفات التي اشتُهر بها أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- الزهدُ والورع، فقد كان رجلاً زاهداً لا تُغريه الدنيا ومتاعُها، على الرغم من مُلكِهِ لها، فقد كان أمير الشام، لكنَّه كان يعيش عيشة الفقراء من شدة زهده وورعه، وطَمَعِهِ فيما هو خير من الدنيا وما فيها، وقد رُوي عن زهده وورعه أنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- زار الشام عندما كان أبو عبيدة أميراً عليها، فلما التقاهُ أراد أن يذهبَ إلى بيتهِ ليتفقدَ أحوالهُ، فلما وصلا إلى البيت لم يجد عمرُ في بيتِ أبي عبيدة إلا سيفه وترسه ورَحلَه، فقال له: "لو اتخذتَ مَتاعاً" فقال أبو عبيدة: "يا أميرَ المؤمنين! إنَّ هذا سَيُبَلِّغُنَا المَقِيل".[٩]


المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2419، حديث صحيح.
  2. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 794. بتصرّف.
  3. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 7. بتصرّف.
  4. أحمد الشرباصي، أمين الأمة أبو عبيد بن الجراح، صفحة 39. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:7255، حديث صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:4381، حديث صحيح.
  7. محمد حسن عبد الغفار، فضائل الصحابة، صفحة 4. بتصرّف.
  8. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 16. بتصرّف.