ما هي حادثة الإفك؟

هي حادثة مؤلمة للمسلمين حدثت في السنة الخامسة للهجرة، اتهم فيها المنافقون السيدة عائشة -رضي الله عنها- بالفاحشة وطعنوا في عرضها، وقد حدثت هذه القصة بعد عودة المسلمين من غزوة المريسيع التي غزاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأديباً ومعاقبة لبني المصطلق على ما كان منهم من إيذاء للمسلمين، وقد كانت حادثة الإفك شديدةً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث أخذ المنافقون بإشاعة كذبهم وافترائهم على عائشة، وكثر الكلام بين الناس وخاض بعض المسلمين في الإفك، ولم ينزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- لمدة من الزمن واحتار في أمره، حتى نزل الوحي من السماء ببراءة عائشة، وسمَّى الله -تعالى- تلك الحادثة بالإفك، أي الكذب والافتراء، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.[١][٢]


تفاصيل حادثة الإفك

سهم عائشة

كان من عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ إحدى زوجاته معه إذا أراد الخروج من المدينة في سفر أو غزوة، وكان من عادته أن يجري قرعة بينهنّ ليأخذ معه من تفوز في القرعة، وعندما أراد الخروج لغزوة المريسيع كان سهم القرعة من نصيب عائشة فخرجت معه.[٣]


العِقد الضائع

كان لدى عائشة -التي لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها- عقدٌ استعارته من أختها أسماء، تضعه في عنقها، وبعد انتهاء الغزوة وإرادة المسلمين للرحيل، ذهبت عائشة لتقضي حاجتها بعيداً عن مكان الجيش، وعندما رجعت لم تجد عقدها، فذهبت لتبحث عنه، وفي هذه الأثناء تحرّك الجيش، ولم ينتبه أحد لعدم وجود عائشة في هودجها لأنَّها كانت خفيفة الوزن في ذلك الوقت.[٣]


صفوان بن المعطل

وجدت عائشة عقدها وعادت إلى مكانها لكنَّها لم تجد أحداً فجلست حائرةً خائفةً، حتى وجدها صفوان بن المعطّل -رضي الله عنه- فقال لها بهشة وعجب: "ظعينة رسول الله؟ ما خلفك رحمك الله؟ وما الذي أخرجك؟"، ثمَّ أعطاها بعيره لتركب عليه، وقاد البعير ماشياً إلى المدينة، فلمّا رآه رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول قال ذلك الكلام الباطل واتّهمه والسيدة عائشة بالفاحشة وأشاع الإفك بين الناس.[٤]


حزن عائشة وصدمتها

مرضت عائشة بعد عودتها إلى المدينة ولم تكن قد عرفت بما قاله المنافقون بعد، واشتدَّ مرضها فاستأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تذهب لبيت أبويها فأذن لها، فلما ذهبت إليهم علمت بالأمر فنزل عليها كالصاعقة وأغمي عليها، ثمَّ أخذت بالبكاء وحزنت حزناً شديداً وازداد مرضها وبقيت في بيت أهلها حزينةً باكيةً.[٥]


حزن الرسول وحيرته

حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- حزناً شديداً وتألّم وآذاه ما سمع من كلام، وانقطع الوحي مدّة شهر فلم ينزل عليه فاحتار في أمره كيف يُسكت الناس ويُخرس أفواه المنافقين، فاستشار أصحابه فيما يفعل مع عائشة فأكّدوا له براءتها، فقال: (مَن يَعْذُرُنِي مِن رَجُلٍ بَلَغَنِي أذَاهُ في أهْلِي، فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أهْلِي إلَّا خَيْرًا، وقدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلَّا خَيْرًا، وما كانَ يَدْخُلُ علَى أهْلِي إلَّا مَعِي).[٦][٧]


حوار النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عائشة

ثمَّ ذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت أبي بكر وقال لعائشة: (يا عَائِشَةُ، فإنَّه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عليه)،[٦] فردت عليه عائشة بعد أن طلبت من أبويها أن يردا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يعرفا ما يقولان له، فقالت: (إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ ما يَتَحَدَّثُ به النَّاسُ، ووَقَرَ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، ولَئِنْ قُلتُ لَكُمْ إنِّي بَرِيئَةٌ، واللَّهُ يَعْلَمُ إنِّي لَبَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا، إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}).[٦]


نزول البراءة وفضح المنافقين

وبعد ذلك الحوار الذي دار بين النبي -صلى الله عليه وسلّم- وعائشة، نزل الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مباشرةً، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة ببراءتها، وما كانت عائشة تظن أن يُنزل الله -تعالى- في شأنها قرآناً يتلى، فحمدت الله -تعالى- وفرحت فرحاً كبيراً، وقد أنزل الله -تعالى- في عائشة عشر آيات من سورة النور تتحدث عن براءتها وعن حادثة الإفك التي افتراها المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول، وقد توعدّهم الله بالعذاب العظيم.[٨]


المراجع

  1. سورة النور، آية:11
  2. خالد الحمودي، أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، صفحة 11. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سليمان الندوي، سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين، صفحة 128. بتصرّف.
  4. خالد الحمودي، أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، صفحة 12. بتصرّف.
  5. خالد الحمودي، أم المؤمنين عائشة بنت ابي بكر، صفحة 13. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2661، حديث صحيح.
  7. خالد الحمودي، أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، صفحة 14. بتصرّف.
  8. خالد الحمودي، أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، صفحة 16. بتصرّف.