تربية الأبناء في الإسلام

إنَّ تربية الأبناء في الإسلام من الأمور العظيمة التي شدَّد الإسلام عليها كثيراً، وبَيَّنَ أهميتها وضرورتها، وأمر الوالدين بالاهتمام بها، وجعلها واجباً على كل أب وأم، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}،[١] فالتربية هي الأساس في تكوين شخصية المسلم، وزرع الإيمان في قلبه، وتنشئته على حب الله ورسوله وطاعتهما، وتعليمه قيم الإسلام وأخلاقه، وأحكام الدين من فرائض وواجبات، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنِينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ، وفَرِّقُوا بينهم في المضاجعِ)،[٢] فكل أب وأم مسؤولون عن أبنائهم أمام الله -تعالى- يوم القيامة، وسيُحاسبون وسيُسألون عن تربيتهم لهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ).[٣][٤]


تربية بعض الصحابيات لأبنائهن

اهتمت الصحابيات -رضي الله عنهن- بتربية أبنائهنَّ تربيةً إسلاميةً صحيحةً، وقد حرصن على زرع الإيمان ومحبة الله والرسول في قلوب الأبناء، والتنشئة على الطاعات والأعمال الصالحة والخوف من الله -تعالى- والدفاع عن دينهن بكل شجاعة وإقدام،[٥] ومن تلك الأمثلة الرائعة في تربية الصحابيات لأبنائهن:


صفية بنت عبد المطلب

وهي عمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد كانت زوجة للعوام بن خويلد، وأنجبت منه الزبير بن العوام، ثمَّ توفي زوجها وكان ابنها الزبير صغيراً، وقد أسلمت في مكة مع الرعيل الأول، وكانت امرأة قوية رصينة مجاهدة، ومربية من الطراز الرفيع، فقد ربت الزبير على الإيمان وحب الرسول والقوة والشجاعة، وكانت تقسو عليه في بعض الأحيان، ليتعلّم الخشونة والصبر، فأصبح أول فارس في الإسلام، وصار حواري الرسول -صلى الله عليه وسلم-، جاء في الحديث: (قالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الأحْزَابِ: مَن يَأْتِينَا بخَبَرِ القَوْمِ؟ فَقالَ الزُّبَيْرُ: أنَا، ثُمَّ قالَ: مَن يَأْتِينَا بخَبَرِ القَوْمِ؟ فَقالَ الزُّبَيْرُ: أنَا، ثُمَّ قالَ: مَن يَأْتِينَا بخَبَرِ القَوْمِ؟ فَقالَ الزُّبَيْرُ: أنَا، ثُمَّ قالَ: إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّ، وإنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ).[٦][٧]


أسماء بنت أبي بكر الصديق

وكانت زوجةً للزبير بن العوام، وهي أم عبد الله بن الزبير أول مولود للمهاجرين في المدينة، وكانت أسماء نعم الزوجة الصالحة ونعم الأم المربية الصابرة، وكانت ذات عقل وحكمة ودين، فقامت بتربية أبنائها على التقوى وحب الله ورسوله والدفاع عن الإسلام وحسن الخلق والصبر على الشدائد، وكان لها موقف عظيم مع ابنها عبد الله عندما حاصره الحجاج في مكة فجاء إليها يستشيرها فيما يفعل، على الرغم من كبر سنها وضعف بصرها، فأشارت عليه بأن يصبر إن كان على الحق، وألا يخذل من نصروه، فأخبرها بأنَّ مصيره هو الموت المحتم، فقالت له بأنَّ الموت على الحق خير من الاستسلام والذلة، فقال لها بأنَّه لا يخاف من الموت بل يخاف من التمثيل بجسده بعد موته، فقالت له إنَّ الشاة المذبوحة لا يضرها السلخ بعد الذبح، فمضى مسروراً ومات شهيداً.[٨]


الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ بن عفراء

وقد روت حديثاً نبوياً تحدثت فيه عن كيفية تربيتها لأبنائها، وامتثالها لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كانت تدرّب الأطفال الصغار على الصيام، وتشجّعهم عليه، وتأخذهم معها إلى المسجد، ليعتادوا الذهاب إليه والصلاة فيه، ولتتعلّق قلوبهم ببيوت الله -عز وجل-، جاء في الحديث عنها: (أَرْسَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصَارِ، الَّتي حَوْلَ المَدِينَةِ: مَن كانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَن كانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ. فَكُنَّا، بَعْدَ ذلكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ منهمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إلى المَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لهمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ علَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إيَّاهُ عِنْدَ الإفْطَارِ).[٩]


المراجع

  1. سورة التحريم، آية:6
  2. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5868، حديث حسن.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5200، حديث صحيح.
  4. دليل المسلم الجديد (17/10/2016)، "تربية الأبناء في الإسلام"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 7/8/2021. بتصرّف.
  5. إيمان محمد السيد الشامي (1/10/2019)، "مواقف الأمومة في حياة الصحابيات"، المنتدى الإسلامي العالمي للتربية، اطّلع عليه بتاريخ 7/8/2021. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:4113، حديث صحيح.
  7. عبد الرحمن الباشا، صور من حياة الصحابيات، صفحة 21. بتصرّف.
  8. عبد الرحمن الباشا، صور من حياة الصحابيات، صفحة 53. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء، الصفحة أو الرقم:1136، حديث صحيح.