أبو سعيد الخدري

هو الصحابي الجليل سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن الأبجر؛ وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، المشهور بكنيته أبو سعيد الخدري، شهد والده مالك غزوة أحد واستشهد فيها، ووالدته هي أنيسة بنت أبي حارثة من بني عدي بن النجار،[١] له أخٌ واحدٌ قتادة بن النعمان، وهو أخوه لأمه، وأختان؛ فريعة بنت مالك، وزينب، وتزوج -رضي الله عنه- بزينب بنت كعب بن عجرة، ورُزق منها خمسة أولاد؛ سعيد، وعبد الرحمن، وعبد الله، وحمزة، وبشير.[٢][٣]


جهاد أبي سعيد الخدري

جاهد -رضي الله عنه- مع النبي صلى الله عليه وسلم- في جميع الغزوات التي تلت غزوة أحد، حيث شهد اثنتي عشرة غزوة،[٤] جاء في الحديث الصحيح: (سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً)،[٥] وقد برزت -رضي الله عنه- عزيمته وشجاعته وحبّه للجهاد منذ صغره.


حيث عرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد أن يشارك في القتال وهو ابن ثلاث عشرة سنة، إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ردّه لصغر سنه، وشارك -رضي الله عنه- في غزوة بني المصطلق وكان عمره خمس عشرة سنة،[٦] وفي الخندق، وبني قريظة، والحديبية، وحنين، ومؤتة، وفتح مكة، وغير ذلك من الغزوات.[٧]


صفات أبي سعيد الخدري وشخصيته

كان -رضي الله عنه- عَبْل العظام؛ أي غليظ الذراعيْن ضخماً،[٨] أبيض الشعر واللحية فلا يخضب،[٩] ويحفي شاربه، ويلبس الخزّ؛ وهو ما يُنسج من الصوف والإبريْسم من الثياب،[١٠] وكان إزاره إلى نصف ساقه،[١١] وقد تحلّى -رضي الله عنه- بعظيم الصفات الحسنة والأخلاق الحسنة، حتى برزت في شخصيته وعُرف بها، ومن أهمّ ما تميز به من الأخلاق والصفات:[١٢]


الصبر

تميزّ -رضي الله عنه- بالصبر والاحتساب، فكان يُعرف ويوصف به، قال أبو نعيم الأصبهاني في ترجمته: "وحاله قريب من حال أهل الصفة، وإن كان أنصاري الدار لإيثار التصبّر، واختياره للفقر والتعفف".[١٢]


الجرأة والشجاعة

كان -رضي الله عنه- حريصاً على إظهار الحق، فيصدع به لا يخاف في الله لومة لائم، فكان جريئاً قوياً في مواقفه، شجاعاً لا يخاف، ومما يدل على ذلك حرصة على المشاركة في الجهاد مع رسول الله منذ نعومة أظفاره وصغر سنه، وعدم سكوته عن الحق، ووقوفه أمام الباطل أيا كان من صدر منه.[١٢]


الإيثار

كان -رضي الله عنه- شديد الإيثار، يؤثر الفقراء والمساكين على نفسه، فكان يحبّهم وينفق عليهم، وقد وصفه بهذا الخلق بعض مترجميه بقولهم: "مؤثراً للفقراء".[١٢]


العفة

كان -رضي الله عنه- عفيفاً عزيز النفس، ويدل على ذلك امتثاله -رضي الله عنه- وسرعة استجابته لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجاء في الحديث: (إنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، حتَّى نَفِدَ ما عِنْدَهُ، فَقَالَ: ما يَكونُ عِندِي مِن خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)،[١٣] فلم يقبل سؤال النبي رغم حاجته، وتعفّف واستغنى بالله.[١٢]


علم أبي سعيد الخدري

كان -رضي الله عنه- من الأئمة الحفاظ المتقنين، العلماء العقلاء، فهو أحد فضلاء المدينة المنورة ونجبائهم وفقهائهم، ومن أهم ما تميّز وبرع به من العلوم:[١٤]


تفسير القرآن الكريم وتعليمه

كان -رضي الله عنه- ممن له عناية في تفسير القرآن الكريم، فأخذ عن الخلفاء الأربعة، وروى عن ترجمان القرآن ابن عباس -رضي الله عنه-، وروى عنه كبار مفسري التابعين؛ كمجاهد بن جبير، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وكان -رضي الله- من معلّمي القرآن الكريم للأجيال التي جاءت بعده، وكان له منهج متدرج في تعليمه القرآن، حيث قال أبو نضرة وهو أحد تلاميذه: "كان أبو سعيد يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة وخمساً بالعشي".[١٤]


ومما ورد في تفسيره ما جاء في الآية الكريمة: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا)،[١٥] حيث قال -رضي الله عنه- في شأن الآية: "إن رجالاً من المنافقين كانوا يتخلفون عن الغزو مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت هذه الآية".[١٤]


رواية الحديث الشريف

كان -رضي الله عنه- من ملازمي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فصحبه مدة طويلة، وهي مدة إقامة النبي في المدينة، ولم يغب عن مجلسه ولم يتخلّف عنه، فحفظ عن رسول الله سنناً كثيرة، وروى عنه علماً جماً وأحاديث كثيرة، فكان أحد من أكثروا الرواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث ذكر العلماء أنه يأتي في المرتبة السابعة من الصحابة المكثرين بالرواية.[١٤]


وقد بلغ عدد الأحاديث التي رواها ألفاً ومئة وسبعين حديثاً، أخرج له الشيخان مئة وأحد عشر حديثاً، اتفقا على ثلاثة وأربعين حديثاً، انفرد البخاري بستة عشر حديثاً، وانفرد مسلم باثنين وخمسين حديثاً، وقد روى -رضي الله عنه- عن كبار الصحابة؛ كأبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي، زيد بن ثابت، وغيرهم، وروى عنه من الصحابة ابن عباس، وابن عمر، وجابر، وغيرهم، ومن كبار التابعين سعيد بن المسيب، وطارق بن شهاب، وأبو عثمان النهدي، وغيرهم.[١٦]


الفقه والفتيا

كان -رضي الله عنه- أحد الفقهاء المجتهدين، فكان أحد من يؤخذ عنهم الفقه من الصحابة، يقول الشيرازي -رحمه الله-: "وممن أخذ منه الفقه من الصحابة -رضي الله عنه-: أبو سعيد الخدري، أبو هريرة الدوسي، وجابر بن عبد الله الأنصاري..."، وقد تصدّر للفتيا مدة طويلة حتى عُرف بأنه مفتي المدينة، حيث صارت إليه الفتيا من أصحاب رسول الله في المدينة المنورة، فكان الناس يأتون إليه لسؤاله؛ فيفتيهم في أمورهم، ويقضي بينهم، ويحلّ منازعتهم ومشكلاتهم، ومن آرائه الفقهية أنه يرى وجوب الغسل يوم الجمعة.[١٤]


وفاة أبي سعيد الخدري

توفي -رضي الله عنه- في المدينة المنورة مسقط رأسه التي ولد فيها، ونشأ وترعرع فيها، وكان ذلك في سنة أربع وسبعين للهجرة، وقيل سنة ثلاث وستين، وقيل سنة أربع وستين، وقيل سنة خمس وستين،[١٧] وكان عمره أربعاً وتسعين سنة، وكان قد أوصى -رضي الله عنه- ابنه عبد الرحمن أن يُدفن بالبقيع فدُفن فيها.[١٨]


المراجع

  1. محمد عبد الله أبو صعيليك، أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله ومفتي المدينة في زمانه، صفحة 14-17. بتصرّف.
  2. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، صفحة 105. بتصرّف.
  3. محمد عبد الله أبو صعيليك، أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله ومفتي المدينة في زمانه، صفحة 37-38. بتصرّف.
  4. الزركلي، الأعلام، صفحة 87. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن قزعة مولى زياد، الصفحة أو الرقم:1864، صحيح.
  6. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 1672. بتصرّف.
  7. محمد عبد الله أبو صعيليك، أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله ومفتي المدينة في زمانه، صفحة 23-33. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى عبل في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 5/9/2022. بتصرّف.
  9. الذهبي، تاريخ الإسلام، صفحة 895. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى الخز في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 5/9/2022. بتصرّف.
  11. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، صفحة 106. بتصرّف.
  12. ^ أ ب ت ث ج محمد عبد الله أبو صعيليك، أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله ومفتي المدينة في زمانه، صفحة 39-41. بتصرّف.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:1469، صحيح.
  14. ^ أ ب ت ث ج محمد عبد الله أبو صعيليك، أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله ومفتي المدينة في زمانه، صفحة 66-90. بتصرّف.
  15. سورة آل عمران، آية:188
  16. محمد عجاج الخطيب، السنة قبل التدوين، صفحة 480. بتصرّف.
  17. ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، صفحة 67. بتصرّف.
  18. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، صفحة 107. بتصرّف.