ولاية خالد بن الوليد على الشام

قام الخليفة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بتولية خالد بن الوليد -رضي الله عنه- قائداً عاماً لجيوش المسلمين في الشام، خلفاً لأبي عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه-، حيث كانت جيوش المسلمين في تلك الأثناء تعاني من الهزيمة والتراجع أمام ضربات الروم في الشام، وتحتاج إلى إسناد ومدد ينقذها مما هي فيه، وكان خالد قائداً لجيوش المسلمين في العراق، وقد انتشرت أخبار انتصاراته وفتوحاته هناك، فرأى أبو بكر أن يستعين به، فأمره بالتوجه إلى الشام وتولي قيادة الجيوش فيها، فتحرك خالد مباشرة برفقة تسعة آلاف مقاتل، وترك خلفه المثنى بن حارثة قائداً على العراق ومعه ثمانية آلاف مقاتل، وقطع خالد طريقاً طويلةً وخطيرةً للغاية، ووصل إلى الشام، فتولى قيادة الجيوش وهزم الروم، وفتح عدداً من المدن، بمساعدة القادة الأبطال من الصحابة، واستمر في ولاية الشام حتى وفاة الخليفة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.[١]


لماذا عزل عمر خالد بن الوليد؟

كان قرار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعزل خالد بن الوليد -رضي الله عنه- عن قيادة جيوش الشام؛ قراراً مدروساً قائماً على أسس وقواعد خاصة بسياسة عمر وطريقته في الحُكم، وما يراه أفضل لمصلحة المسلمين، ولم يكن قراره ناتجاً عن سخط على خالد أو تخوين له، كما يحاول أعداء الإسلام أن يفتروا عليه،[٢] بل كان عمر يحب خالد ويُجلّه، ويعرف له قدره ومكانته العالية في الإسلام، فقد كان خالد فارس الإسلام الذي عينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائداً على أهم الغزوات والمعارك، ولقبه بسيف الله المسلول، واستعان به أبو بكر -رضي الله عنه- في حروب الردة فأبلى بلاء حسناً، وكان له دور كبير في ردع المرتدين والقضاء على خطرهم، ثم توجه إلى العراق ففتحها بعبقريته العسكرية، وشجاعته وحنكته المعهودة في القتال،[٣] وتتلخص أسباب عزل عمر لخالد بن الوليد فيما يلي:


حماية عقيدة التوحيد لدى المسلمين

حيث أصبح النصر مرتبطاً في أذهان بعض المسلمين بشخص خالد، لانتصاره الدائم في المعارك، وعدم هزيمته في أي معركة يخوضها، فخاف عمر أن يُفتتن المسلمون به، وتنحرف عقيدتهم ويختل إيمانهم، فيبتعدوا عن التوحيد الخالص لله، والعلمِ بأنه الناصر الحقيقي وأن النصر من عنده وليس من عند غيره، وقد صرّح عمر بهذا السبب فيما روي عنه بقوله: "إني لم أعزل خالداً عن سخطة ولا عن خيانة، ولكن الناس فتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به، فأحببت أن يعلموا بأن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة"،[٤] وهذا هو السبب الأهم لعزل خالد.[٥]


عدم تناسب شدة عمر مع شدة خالد

كما قال بعض أهل العلم، حيث إنه من المعروف عن عمر قوته وحزمه وشدته في الأمور، وكذلك كان خالد شديداً وصارماً في بعض الأمور، فكان من الأنسب لعمر أن يولّي أبا عبيدة لأنه كان رجلاً ليناً رفيقاً، وليس شديداً كخالد، وهكذا يعتدل الأمر، فيكون لين أبي عبيدة مناسباً لشدة عمر، كما كانت شدة خالد مناسبة للين أبي بكر ورفقه.[٢]


استقلالية خالد ورفضه للتبعية الكاملة في اتخاذ القرار

حيث كان خالد يتخذ بعض القرارات دون الرجوع إلى الخليفة أبي بكر، ويفعل ما يراه مناسباً دون إخباره، كتوزيعه للأموال على أهل الغنائم، وعدم رفع حساب بها لأبي بكر، وغير ذلك من تصرفات، وكان عمر لا تعجبه تلك التصرفات، ويرى أن من واجب الوالي أن يستأذن الخليفة ويعود إليه في كل أمر، وكان عمر قد نصح أبا بكر بعزل خالد من قبل، لكن أبا بكر لم يعزله، لِما قدمه للإسلام من انتصاراتٍ عظيمةٍ، وعندما تولى عمر الخلافة أرسل إلى خالد يأمره بألا يُعطي شاةً أو بعيراً إلا بأمره، فرفض خالد وأجابه بقوله الذي أجاب به أبا بكر من قبل: "إما أن تدعني وعملي وإلا فشأنك بعملك" فقام عمر بعزله، تطبيقاً لرؤيته ومنهجه في الحُكم.[٦]


كيفية عزل خالد بن الوليد

  • بعد وفاة الخليفة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعزل خالد بن الوليد -رضي الله عنه عن ولاية الشام، وتولية أبي عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه- بدلاً منه.[٧]
  • وقد أرسل عمر قراره عبر رسالة مكتوبة، وكان مضمون الرسالة إخبار المسلمين بوفاة الخليفة أبي بكر الصديق وتولي عمر للخلافة، وتبليغٌ بعزل خالد وتولية أبي عبيدة. وقد اختلف المؤرخون في مكان وزمان وصول رسالة عمر، وفيمن استلمها، فقيل بأنها وصلت أثناء معركة اليرموك واستلمها خالد، وقيل بأنها وصلت بعد اليرموك واستلمها أبو عبيدة، وكانت جيوش المسلمين في ذلك الوقت تحاصر دمشق وتتحضر لفتحها.[٧]
  • وقد أمر عمر أبا عبيدة حسب هذه الرواية بأن ينشر سرايا جيوشه في نواحي دمشق وحمص وباقي مدن الشام، وأن يحتفظ بمن يحتاجه من الجنود والقادة في حصاره لدمشق، ومن ضمنهم خالد بن الوليد فإنه لا غنى له عنه، وعندما قرأ أبو عبيدة مضمون رسالة عمر لم يخبر خالداً بالأمر مباشرةً، بل انتظر حتى يصل الخبر إليه من شخص آخر، وذلك تواضعاً منه، وكي لا تحدث بلبلة في صفوف المسلمين، حيث كانوا يخوضون معركتهم ويتأهبون للفتح.[٨]


المراجع

  1. محمد سهيل طقوش، تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية، صفحة 161. بتصرّف.
  2. ^ أ ب نور على الدرب، "سبب عزل عمر لخالد بن الوليد وتوليته لأبي عبيدة بن الجراح"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 18/10/2021. بتصرّف.
  3. صادق عرجون، خالد بن الوليد، صفحة 275-276. بتصرّف.
  4. ياسين سويد، معارك خالد بن الوليد، صفحة 342-341.
  5. رقم الفتوى: 9089 (11/7/2001)، "السبب الحقيقي لعزل عمر بن الخطاب خالداً عن القيادة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 18/10/2021. بتصرّف.
  6. صادق عرجون، خالد بن الوليد، صفحة 294.
  7. ^ أ ب ياسين سويد، معارك خالد بن الوليد، صفحة 342-341. بتصرّف.
  8. علي الصلابي، سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، صفحة 449-450. بتصرّف.