الخشوع في الصلاة

الخشوع هو حضور القلب وانكساره والإقبال على الله مع الخوف والخشية وخفض البصر وعدم الالتفات، ومن علامات الخشوع سكون الجوارح والتضرع والبكاء، والخشوع روح الصلاة وحقيقتها وثمرتها، فالصلاة بلا خشوع كالجسد بلا روح، فتصبح مجرد حركات لا أثر لها، وقد جعل الله -تعالى- الفلاح مرتبطاً بالخشوع في الصلاة، فقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}،[١] والصلاة بلا خشوع ثقيلة على النفس، لأنَّ غير الخاشع ينقاد للوساوس والأفكار، فيتثاقل من الصلاة ويسرع لينتهي منها، فربما لا يدري ماذا فعل أو كم صلى، قال -تعالى-: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}،[٢] فينبغي على المسلم أن يحرص على الخشوع في الصلاة ويأخذ بأسباب ذلك، حتى يكون من المفلحين، وحتى لا يذهب عمله سدى، فالأجر في الصلاة يكون على قدر الخشوع فيها، جاء في الحديث: (إنَّ الرَّجلَ لينصرِفُ وما كُتِبَ لهُ إلا عُشرُ صلاتِهِ تُسُعُها ثُمُنُها سُبُعُها سُدُسُها خُمُسُها رُبُعُها ثُلُثُها نِصْفُها).[٣][٤][٥]


صور من خشوع الصحابة في الصلاة

كان الصحابة الكرام يهتمون بالخشوع في الصلاة اهتماماً كبيراً، فكانوا يعظِّمون الوقوف بين يدي الله -تعالى- ويعدّون لذلك العدة ويهيئون أنفسهم لهذا الأمر العظيم، وينتظرون الصلاة بعد الصلاة ويتسابقون على الصفوف الأولى، لما ذاقوه من حلاوة الإيمان ولذة المناجاة والتقرّب إلى الله -تعالى- واقتداءً وتأسياً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي كان إمام العابدين وسيد الخاشعين، وكان من شدة خشوعه في الصلاة وكثرة بكائه فيها يُسمع (لِجَوْفِهِ أزيزٌ كأزيزِ المِرْجَلِ)،[٦]فالصلاة كانت قرة عينه وحبيبة قلبه وراحة نفسه، حيث قال: (جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصلاةِ)،[٧] وقال: (يا بلالُ أَقِمِ الصلاةَ، أَرِحْنا بها)،[٨] فالصلاة الخاشعة راحة وسكينة وشفاء لما في الصدور ومغفرة من الله ورضوان، جاء في الحديث: (مَن توضأَ فأحسنَ الوُضوءَ، ثم قامَ فصلَّى ركعتَين أو أربعًا يُحسِنُ فيهِنَّ الذِّكرَ والخُشوعَ، ثُم يستغفرِ اللهَ؛ غُفِرَ لَه)،[٩] وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من قلب لا يخشع، وقد كان الصحابة أشد حرصاً على اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به في كل شيء، فكانت أحوالهم مع الخشوع عجيبة، وقد وردت صور كثيرة من صور خشوع الصحابة في الصلاة، منها:[١٠][١١]


خشوع أبي بكر الصديق

كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- من أكثر الصحابة خشوعاً في صلاته، وكان يُعرف عنه أنه يبكي كثيراً في الصلاة، حتى أنَّ ابنته أشارت على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعدل عن اختياره لإمامة المسلمين عندما مرض، بسبب بكائه في الصلاة، جاء في الحديث: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ في مَرَضِهِ: مُرُوا أبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بالنَّاسِ، قالَتْ عَائِشَةُ: قُلتُ: إنَّ أبَا بَكْرٍ إذَا قَامَ في مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَقالَ: مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ).[١٢]


خشوع عمر بن الخطاب

صلَّى عمر -رضي الله عنه- مرة بالناس وقرأ سورة يوسف، فسُمع بكاؤه ونحيبه من آخر الصفوف، وهو يقرأ قوله -تعالى-: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}،[١٣] وعندما طعنه المجوسي وهو يصلي إماماً بالناس، ظلَّ واقفاً في صلاته لا يتزحزح وكأنَّ شيئاً لم يحدث، حتى أغمي عليه من شدة النزف، فأخذوه إلى بيته وعندما أفاق من الإغماء، سأل من حوله: هل صلّى الناس؟ فقالوا: نعم، فقال: "لا إسلام لمن ترك الصلاة" ثمَّ توضأ وصلّى وجرحه ما زال ينزف، وكان إذا رأى أحداً يطأطأ رأسه في الصلاة قال له: "ويحك، إنَّما الخشوع في القلب"، وكان يقول: "إن الرجل ليَشيبُ عارضاه في الإسلام، وما أكمل لله تعالى صلاة، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا يتم خشوعها وتواضعها، وإقباله على الله فيها".


خشوع علي بن أبي طالب

كان علي -رضي الله عنه- إذا جاء وقت الصلاة وأراد أن يصلي تغيّر لونه وارتعدت فرائضه، فيقال له: مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: "جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها".


خشوع سعد بن معاذ

رُوي عن سعد -رضي الله عنه- أنه قال: "فيَّ ثلاث خصالٍ لو كنتُ في سائر أحوالي أكون فيهن كنتُ أنا أنا: إذا كنت في الصلاة لا أحدثُ نفسي بغير ما أنا فيه، وإذا سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثاً لا يقعُ في قلبي ريبُ بأنَّه الحق، وإذا كنت في جنازةٍ لم أُحدّث نفسي بغير ما تقول ويُقال لها".


خشوع عائشة أم المؤمنين

روى القاسم بن محمد أن ذهب إلى عمته عائشة -رضي الله عنها- ليسلم عليها في وقت الضحى، فوجدها تصلي وتقرأ قول الله -تعالى-: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}،[١٤] وتبكي وتدعو وتردد الآية، فأخذ ينتظرها فلم تنته من صلاتها، حتى أصابه الملل فتركها وذهب إلى السوق، ثمَّ عاد إليها فوجدها كما تركها ما زالت تصلي وتردد الآية وتبكي وتدعو.


أسباب الخشوع في الصلاة

للخشوع في الصلاة أسباب تعين عليه، وأمور لا بدَّ من توفرها لحصوله، منها:[١٥]

  • الاستعداد للصلاة، وذلك بتهيئة النفس والتفرغ التام للصلاة، وإسباغ الوضوء وإبعاد كل ما يشغل الفكر عن الصلاة، جاء في الحديث: (لا صَلَاةَ بحَضْرَةِ الطَّعَامِ، ولَا هو يُدَافِعُهُ الأخْبَثَانِ).[١٦]
  • استحضار عظمة الله -تعالى- وأنَّه واقف بين يديه.
  • تذكر الموت، فإنَّ تذكر الموت يرقق القلب ويبعث على الخوف والخشية من الله.
  • تدبر آيات القرآن التي يقرأها في صلاته.
  • المحافظة على الطمأنينة في الصلاة وهي أن يستقر كل عضو من أعضاء الجسد في مكانه أثناء أداء الصلاة.
  • النظر إلى موضع السجود وعدم الالتفات.
  • استحضار الأجر والثواب العظيم الذي يناله المسلم بسبب الخشوع، جاء في الحديث: (ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ).[١٧]



مواضيع أخرى:

لم خاف الصحابة من النفاق؟

لماذا يعد الصحابة أفضل الأمة؟


المراجع

  1. سورة المؤمنون، آية:1-2
  2. سورة البقرة، آية:45
  3. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم: 1972، حديث صحيح.
  4. رقم الفتوى: 283984 (1/2/2015)، "معنى الخشوع وأهميته وكيفية حصوله"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 21/4/2021. بتصرّف.
  5. ابراهيم الحقيل (23/1/2019)، "معنى الخشوع وموضعه"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/4/2021. بتصرّف.
  6. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبدالله بن الشخير، الصفحة أو الرقم:3329، حديث صحيح.
  7. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3124، حديث صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن سالم بن أبي الجعد، الصفحة أو الرقم:4985، حديث صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:230، حديث حسن.
  10. شريف سلطان (11/7/2017)، "الخشوع في الصلاة (الذين هم في صلاتهم خاشعون)"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/4/2021. بتصرّف.
  11. الراشدون (2/9/2019)، "من كلام السلف في الخشوع في الصلاة"، الراشدون، اطّلع عليه بتاريخ 21/4/2021. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:7303 ، حديث صحيح.
  13. سورة يوسف، آية:84
  14. سورة الطور، آية:27
  15. أمين الشقاوي (6/1/2010)، "الخشوع في الصلاة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/4/2021. بتصرّف.
  16. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:560، حديث صحيح.
  17. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم:228، حديث صحيح.