ما هو النفاق

النفاق هو إظهار الإسلام وإخفاء الكفر، وهو صفة خطيرة ومذمومة، بل هو أخطر من الكفر، والعقوبة عليه أشد وأكبر، لأنَّ ضرر النفاق على الإسلام وأهله أعظم، قال -تعالى-:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}،[١] فالمنافق غير معروف للناس لأنَّه يبدو في الظاهر مسلماً يصلي ويذكر الله، لكنَّه في الحقيقة كافر يكره الإسلام ويكيد لأهله ويمكر بهم، وهو متقلّب ومخادع، وفي قلبه من الحسد والحقد والعداوة للمسلمين الكثير، قال -تعالى-: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}،[٢] وللمنافقين صفات كثيرة ذكرها الله في القرآن، وقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من تلك الصفات وبيَّن أبرزها في قوله: (أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا - أَوْ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِن أَرْبَعَةٍ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ - حتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ).[٣][٤]


لم خاف الصحابة من النفاق؟

كان الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- يخافون على أنفسهم من النفاق خوفاً شديداً، وذلك بسبب خوفهم من الله -تعالى- ومعرفتهم به، ورجائهم له، وبسبب تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم- الشديد من النفاق ومن خطره الكبير، ومن الفتن والبلايا وتقلّب القلوب، قال -صلى الله عليه وسلم-: (بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)،[٥] وقد تميّز الصحابة -رضي الله عنهم- بالتقوى والورع الشديد، فكان هذا سبباً آخر لخوفهم من الوقوع في النفاق أو الاتصاف بصفة من صفاته، قال أحد التابعين: "أدركت ثلاثينَ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم، كلُّهُمْ يخافُ النفاقَ على نفسهِ، ما منهم أحدٌ يقولُ: إنه على إيمانِ جبريلَ وميكائيلَ".[٦][٧]


نماذج من خوف الصحابة من النفاق

رويت عن الصحابة قصص ومواقف مختلفة تبين خوفهم من النفاق، وحرصهم على أن لا يكونوا من المنافقين، منها:[٦][٨]


خوف عمر بن الخطاب من النفاق

كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على جليل قدره وعظم منزلته في الإسلام، وعلى الرغم ممّا اشتهر عنه من التقوى والورع الشديد والعبادة والزهد في الدنيا، إلا أنَّه كان من أشد الناس خوفاً من النفاق، فقد روى حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أمين سر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد أطلعه على أسماء المنافقين، قال: (دُعِيَ عُمرُ لجنازةٍ فخرج فيها أو يريدها فتعلَّقْتُ به فقلتُ: اجلسْ يا أميرَ المؤمنينَ فإنَّهُ أولئِكَ، فقال: نشدتُكَ باللهِ: أنا منهم؟ فقال: لا ولا أبرِّئُ أحدًا بعدَكَ).[٩]


خوف ثابت بن قيس

جاء في الحديث: (لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبيِّ} [الحجرات: 2] إلى آخِرِ الآيَةِ، جَلَسَ ثابِتُ بنُ قَيْسٍ في بَيْتِهِ، وقالَ: أنا مِن أهْلِ النَّارِ، واحْتَبَسَ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَعْدَ بنَ مُعاذٍ، فقالَ: يا أبا عَمْرٍو، ما شَأْنُ ثابِتٍ؟ اشْتَكَى؟ قالَ سَعْدٌ: إنَّه لَجارِي، وما عَلِمْتُ له بشَكْوَى، قالَ: فأتاهُ سَعْدٌ، فَذَكَرَ له قَوْلَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ ثابِتٌ: أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ، ولقَدْ عَلِمْتُمْ أنِّي مِن أرْفَعِكُمْ صَوْتًا علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأنا مِن أهْلِ النَّارِ، فَذَكَرَ ذلكَ سَعْدٌ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ هو مِن أهْلِ الجَنَّةِ).[١٠]


خوف حنظلة بن حذيم

جاء في الحديث: (لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقالَ: كيفَ أَنْتَ؟ يا حَنْظَلَةُ قالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قالَ: سُبْحَانَ اللهِ ما تَقُولُ؟ قالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هذا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حتَّى دَخَلْنَا علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَما ذَاكَ؟ قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِكَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ إنْ لو تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي، وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ).[١١]



مواضيع أخرى:

صور من خشوع الصحابة في الصلاة

لماذا يعد الصحابة أفضل الأمة؟


المراجع

  1. سورة النساء، آية:145
  2. سورة البقرة، آية:14
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم:2459، حديث صحيح.
  4. رقم السؤال12387 (17/3/2001)، "خطر النفاق"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2021. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:118، حديث صحيح.
  6. ^ أ ب رقم الفتوى: 55686 (16/11/2004)، " التشبه بالصحابة في الخوف على النفس من النفاق والمعاصي أمر محمود"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2021. بتصرّف.
  7. أسامة بدوي (12/5/2017)، "الخوف من النفاق"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2021. بتصرّف.
  8. فهمي هويدي (8/11/2007)، "خوف السّلف من النفاق"، مداد، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2021. بتصرّف.
  9. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:304، حديث حسن.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:119، حديث صحيح.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن حنظلة بن حذيم الحنفي، الصفحة أو الرقم:2750، حديث صحيح.