من هو عبد الله بن جعفر؟

هو الصحابي الجليل عبد الله بن الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب -المُلقب بذي الجناحين- بن عبد المطلب بن هاشم، فهو ابنُ ابنِ عمِّ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمُّ عبد الله بن جعفر هي الصحابية الجليلة أسماء بنت عُميس الخثعمية، وقد وُلد عبد الله في أرض الحبشة عندما هاجر المسلمون إليها، وكان والداه من المهاجرين، ثم هاجر مع أبيه صغيراً إلى المدينة، وهو الابن الأكبر لجعفر، ويُعد من صغار الصحابة، فقد كان في العاشرة من عمره عندما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان آخر من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- وصَحِبَهُ من بني هاشم،[١] وقد حفظ عنه وروى عدداً من الأحاديث، كما روى عن أمه أسماء، وعن عمه علي بن أبي طالب.[٢]


مولد عبد الله بن جعفر

وُلد عبد الله بن جعفر في أرض الحبشة، في رحلة الهجرة الثانية إليها، حيث كان والده جعفر هو أمير المسلمين في هذه الرحلة، وكان عبد الله هو أول طفل يولد للمسلمين في الحبشة، وقد وُلد للنجاشي ملك الحبشة ولدٌ بعد ولادة عبد الله بن جعفر بأيام قليلة، فسأل النجاشيُّ جعفرَ بن أبي طالب ماذا سمى ابنه، فأخبره بأنه سماه عبد الله، فسمى النجاشي ابنه عبد الله، وقد أرضعتْ أسماء أم عبد الله بن جعفر ابنَ النجاشي، فأصبح لها شأن ومنزلة واحترام كبير عند النجاشي وأهل الحبشة.[٣]


أخوه عبد الله بن جعفر

لعبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- أربعة إخوة، اثنان شقيقان هما محمد وعون، وقد وُلدا في الحبشة، واثنان غير شقيقان هما محمد بن أبي بكر الصديق ويحيى بن علي بن أبي طالب، فهما أخواه لأمه، فقد تزوجت أمّه بعد موت أبيه من أبي بكر الصديق ثم من علي بن أبي طالب بعد موت أبي بكر -رضي الله عنهم جميعاً-.[٤]


نشأة عبد الله بن جعفر

استُشهد والد عبد الله؛ جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- في غزوة مؤتة، وكان عبد الله حينها صغيراً، فأصبح يتيم الأب، فكفله النبي -صلى الله عليه وسلم- هو وإخوته، وقال لأُمهم عندما شكت له يُتم أبنائها وفقرهم: (العيلةَ تخافينَ عليهم وأنا وليُّهم في الدُّنيا والآخرةِ)،[٥] فنشأ عبد الله في حِجر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحبه ويُشفق عليه ويدعو له بالخير والبركة، ويناديه بابن أخي لأن والده جعفر هو أخو النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرضاعة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح بيده على رأس عبد الله، ويقول كلما مسح: (اللَّهمَّ اخلُفْ جعفرًا في ولدِهِ)،[٦] وقد تربى عبد الله على أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتأدّب بأدبه، وتعلَّم منه وحفظ وروى عنه. [٧]


محطات من حياة عبدالله بن جعفر

تفقد النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحوال عبد الله وإخوته

ذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعد استشهاده بثلاثة أيام، وأمرهم بعدم البكاء عليه، وتفقد حال الأطفال الصغار، وتكفل بهم، جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن جعفر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهلَ آل جعفرٍ ثلاثا، ثم أتاهمْ فقال: لا تبكُوا على أخِي بعدَ اليومِ. ثم قال: ادْعُوا لي بَنِي أخي فجيء بنا كأننا أفراخٌ، فقال: ادعُوا لِيَ الحلاقَ. فأمرهُ فحلقَ رؤوسَنا)،[٨] وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتفقد أحوالهم بين الحين والآخر، وفي يوم من الأيام جاء إليهم فرأى أجسامهم نحيلة فظن أن ذلك بسبب الجوع والفقر، فسأل أمهم عن ذلك فأجابته بأن السبب ليس الجوع أو الفقر وإنما هو العين التي أصابتهم، واستأذنته في أن ترقيهم فأذن لها، جاء في الحديث: (وَقالَ لأَسْمَاءَ بنْتِ عُمَيْسٍ: ما لي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الحَاجَةُ قالَتْ: لَا، وَلَكِنِ العَيْنُ تُسْرِعُ إليهِم، قالَ: ارْقِيهِمْ قالَتْ: فَعَرَضْتُ عليه، فَقالَ: ارْقِيهِمْ).[٩][١٠]


مبايعة عبد الله بن جعفر للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صغير

روي أن عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- بايعا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهما ابنا سبع سنين، وقد فرح النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وتبسَّمَ عندما رآهما قادمين إليه يبسطان له أيديهما للمبايعة وهما في ذلك السن الصغير، وما كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أن بسط لهما يده وبايعهما.[١١]


مرافقة عبد الله بن جعفر للنبي -صلى الله عليه وسلم- وإسراره له

رافق عبد الله بن جعفر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عندما كان صغيراً في كثير من الأوقات، فقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى عبد الله بن جعفر في طريقه يحمله ليركب خلفه على ظهر الدابة، وكان يتكلم معه ويسر له بأشياء رغم صغر سنه، وقد روى عبد الله ما كان يحدث معه أثناء مرافقته للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك إسراره له بأحاديث خاصة، جاء في الحديث عن عبد الله: (أَرْدَفَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ذَاتَ يَومٍ خَلْفَهُ، فأسَرَّ إلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ به أَحَدًا مِنَ النَّاسِ)،[١٢] ومما رواه عبد الله من أحداث جرت معه أثناء مرافقته للرسول -صلى الله عليه وسلم- قصة الجمل الذي بكى واشتكى للنبي -صلى الله عليه وسلم- مما يعانيه من سوء المعاملة من صاحبه، جاء في الحديث: (فإذا جَمَلٌ قدِ أتاهُ فجرجرَ وذرِفت عيناهُ.. فمسحَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ سَراتَهُ وذِفراهُ فسكنَ فقالَ من صاحبُ الجملِ فجاءَ فتًى منَ الأنصارِ فقالَ هوَ لي يا رسولَ اللَّهِ فقالَ أما تتَّقي اللَّهَ في هذهِ البهيمةِ الَّتي ملَّككها اللَّهُ إنَّهُ شكا إليَّ أنَّكَ تجيعُهُ وتدئبُهُ).[١٣][١٠]


صفات عبد الله بن جعفر

الصفات الخَلقية

كان عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- جميل الشكل، وكان شبيهاً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في صفاته، وقد شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه يُشبهه في الخَلق والخُلق، فقال: (وأمَّا عبدُ اللَّهِ فشبَهُ خُلُقي وخَلقي).[١٤][٤]


الصفات الخُلُقية

كان عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- يتصف بعدة صفات عظيمة اشتُهر بها، منها:[١٥]

  • الجود والكرم: فقد كان جواداً كريماً يعطي عطاءً كثيراً لا مثيل له، وقيل بأنه لم يكن أحد أجود منه في زمانه، فكان أجود أهل الحجاز في الإسلام، ولم يستطع أحدٌ أن يبلغ مبلغه في الجود والكرم، وعندما عُوتب في ذلك قال: "إن الله عودني عادة، وعودتُ الناس عادة، فأنا أخاف إن قَطعتها قُطعت عني"، وله العديد من القصص الكثيرة في الجود والسخاء.
  • الظرافة والخُلق الحسن: فقد كان ذا بشاشةٍ وسماحة وسهولة ولين، وحُسن معاملة.
  • العفة: فقد كان عفيفاً عابداً تقياً.
  • الحِلم: لم يكن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه- سريع الغضب والانفعال، بل كان حليماً ذا صبرٍ وحكمةٍ وروية.[١٦]
  • القيادة: فقد كان ذا أهليةٍ وصلاحٍ للقيادة والرئاسة،[٧] وذلك لما تمتع به من صفات فريدة ونسب شريف، ومكانة عالية بين الناس ومحبة واحترام من الجميع، وقد كان أميراً من أمراء جيش عمه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يوم صفين.[١٧]


ألقاب عبد الله بن جعفر

بحر الجود

وقد لُقب به لشدة جوده وكرمه، فشُبّه بالبحر الذي يجود على الناس بالكثير من الخير والعطاء.[١٥]


قطب السخاء

وشُبه به أيضاً لشدة جوده وكرمه.[١٧]


ابن ذي الجناحين

وقد لقبه به عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وكان إذا سلم عليه يقول: "السلام عليك يا ابن ذي الجناحين"، وذلك نسبةً إلى أبيه جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- الذي استشهد يوم مؤتة بعد أن قُطعت كلتا يديه، لأنه كان يحمل راية المسلمين بهما وكان أمير الجيش، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الله -تعالى- أبدله بهما جناحين يطير بهما في الجنة.[١٨]


كنية عبد الله بن جعفر

لعبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- ثلاثة كُنى، هي أبو محمد، وأبو جعفر، وأبو هاشم، ولكن الكُنية الأشهر هي أبو جعفر.[١٩]


زوجات عبد الله بن جعفر وأولاده

عاش عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- كثيراً، وتزوج ست مرات، وأنجبت له نساؤه الكثير من الأولاد ذكوراً وإناثاً، وكان له أيضاً عدد من الإماء اللاتي أنجبن له، وقد بلغ عدد أولاده الذكور حوالي أربعة وعشرين، وعدد الإناث أربع، وربما كان السبب في كثرة أولاد عبد الله هو دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالبركة، وفيما يلي نستعرض أسماء زوجاته وأولاده جميعاً:[٢٠]

  • الأُمَيّة وتكنى أم عمرو بنت خِرَاش بن جَحْش من بني عَبْس بن بَغِيض، وله منها جعفر الأكبر.
  • زينب بنت علي بن أبي طالب وأمها فاطمة بنت الرسول -صلى الله عليه وسلم--رضي الله عنهما-، وله منها: علي، وعون الأكبر، ومحمد، وعباس، وأم كلثوم.
  • جُمَانة بنت المُسَيَّب بن نَجَبَة من بني فزارة، وله منها: حسين دَرَج، وعون الأصغر، وقد قُتل عون الأصغر مع الحسين بن علي -رضي الله عنه-.
  • الخوصاء بنت خَصَفَة البكرية، وله منها: أبو بكر، وعبيد الله، ومحمد.
  • ليلى بنت مسعود الدارمية، وله منها: صالح ويحيى وهارون وموسى وجعفر وأم أبيها وأم محمد.
  • أم الحسن بنت كعب، وله منها: جعفر وأبو سعيد.
  • وله أيضاً من الأولاد: حميد، والحسن، ومعاوية، وإسحاق، وإسماعيل، وقُثَم، وعباس، وأم عون، وهم جميعاً أولاد إماء مختلفات.


وفاة عبد الله بن جعفر

اختُلف في تاريخ وفاة عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- فقيل بأنه توفي سنة ثمانين للهجرة، وقيل سنة أربع وثمانين، وقيل خمس وثمانين، وقد كان عمره يوم مات تسعين سنة، وقد تُوفي في بيته بالمدينة المنورة، وكان العام الذي توفي فيه يسمى بعام الجحاف، بسبب السيل الذي ضرب الحجيج في مكة وأهلكهم، وقد حضرَ وفاة عبد الله بن جعفر أميرُ المدينة آنذاك أبان بن عثمان، وقام بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه بالبقيع، وحضر جنازته عدد كبير من الناس، وكان أبان يبكي عبد الله ويقول: "كُنتَ والله خيراً لا شر فيك، وكنت والله شريفًا واصلاً براً"، وكان وفاته في زمن خلافة عبد الملك بن مروان.[٢١]


المراجع

  1. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 456. بتصرّف.
  2. ابن الأثير، أسد الغابة، صفحة 199. بتصرّف.
  3. ابن سعد، الطبقات الكبرى، صفحة 462. بتصرّف.
  4. ^ أ ب
  5. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:560، صحيح على شرط مسلم.
  6. رواه الألباني، في أحكام الجنائز، عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:212، حديث إسناده حسن.
  7. ^ أ ب الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 456. بتصرّف.
  8. رواه النووي، في المجموع، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:296، حديث صحيح.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2198 ، حديث صحيح.
  10. ^ أ ب ابن سعد، الطبقات الكبرى، صفحة 463-464. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:2429، حديث صحيح.
  12. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:559، حديث صحيح على شرط مسلم وقد أخرج بعضه.
  13. رواه الذهبي، في تاريخ الإسلام، عن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:430، حديث صحيح.
  14. ^ أ ب ابن عبد البر، الاستيعاب، صفحة 881. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ابن حجر العسقلاني، الإصابة، صفحة 37. بتصرّف.
  16. الموسوعة الحديثية، "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.
  17. ابن سعد، الطبقات الكبرى، صفحة 462-461. بتصرّف.
  18. ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، صفحة 199. بتصرّف.