زخرت السنة النبوية وكتب السير والتراجم الكثير من المواقف المشرفة والقصص العظيمة للصحابة والصحابيات -رضوان الله عليهم-، ومن ذلك مواقف أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- وقصصها، وآتياً بيان أهم مواقفها وأبرز ما ورد عنها من القصص.


قصة هجرة أم سلمة إلى الحبشة

أسلمت أم سلمة وزوجها أبو سلمة- رضي الله عنهما- في بداية الدعوة الإسلامية، فكانوا من السابقين الأوائل في الدخول إلى الإسلام، ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أذى قريش للمسلمين وما يصيبهم منهم، أمر -عليه الصلاة والسلام- المسلمين أن يهاجروا إلى أرض الحبشة، وكان ذلك في السنة الخامسة من البعثة، وكان من ضمن من هاجر أم سلمة وأبو سلمة، ثم بعد مدة قصيرة من هجرتهم وصلتهم أخبار أن أهل مكة أسلموا، فرجعوا إلى مكة في السنة نفسها.[١]


وعندما اقتربوا إلى مكة علموا بعدم صحة الأخبار؛ فمنهم من رجع إلى الحبشة، ومنهم من دخل مكة مستخفياً أو بجوار رجل من قريش، فكانت أم سلمة وزوجها من الذين رجعوا إلى مكة، واستمرّ أذى قريش على المسلمين وتعذيبهم، حتى أذن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالهجرة إلى المدينة المنورة، فعزمت أم سلمة وزوجها أن يكونا من أوائل المهاجرين إلى المدينة للتخلص من أذى قريش، والفرار بدينهم.[٢]


قصة هجرة أم سلمة إلى المدينة المنورة

لم تكن هجرة إلى المدينة أم سلمة وأبو سلمة سهلة ميسرة، فقد كانت صعبة عليهم، حيث جسّدت لنا أم سلمة أروع معاني التضحية والصبر، فعندما همّ أبو سلمة بالرحيل أخذ معه أم سلمة وابنها سلمة وكان طفلاً تحمله في حجرها، وفي سيرهم على البعير وهم في الطريق قام أهلها من رجال بني المغيرة باعتراض طريقهم، ومنعوا أم سلمة من الهجرة مع زوجها، فهاجر أبو سلمة منفرداً، وبقيت هي وابنها عند قومها، وعندها غضب بنو عبد الأسد قوم أبي سلمة، فجاؤوا ليأخذوا ابنهم سلمة منها حتى لا يبقى عند بني المغيرة، ويكون عند قومه، فتنازعوا فيما بينهم على سلمة، حتى كادت تخلع يده، فأخذوه منها.[٣]


فعاشت -رضي الله عنها- ألماً شديداً في هذه الهجرة، وعانت ألم فراق زوجها وفراق ابنها عنها، وبقيت في حزن تبكي على فراقهم، حتى مرّ بها رجل من بني المغيرة، ورأى حزنها وألمها، وأشفق على حالها، وطلب من بني المغيرة أن تلحق بزوجها، وأرجع إليها بنو عبد الأسد ابنها، وانطلقت -رضي الله عنها- مع ابنها إلى زوجها في المدينة.[٤]


قصة زواج أم سلمة بالنبي

عاشت -رضي الله عنها- مع زوجها وأولادها في المدينة المنورة، وشهد أبو سلمة غزوة بدر وأحد، وخرج بعدها في سرية قادها بأمرٍ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم توفي بعد ذلك؛ بسبب جرحه الذي أصيب به في غزوة أحد، حيث كان قد التأم وشفي هذا الجرح عند علاجه، ثم فتح وسال الدم منه، فتوفي -رضي الله عنه-، وقد حزنت أم سلمة حزناً شديداً على وفاة زوجها، حيث كانت امرأة كبيرة. وأمّاً لأربعة أبناء، إلا أنها صبرت واحتسبت مصيبتها.[٥]


وجاء عنها أنها رددت هذا الدعاء: "اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها"، وقد روت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ ما أمَرَهُ اللَّهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها، إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها، قالَتْ: فَلَمَّا ماتَ أبو سَلَمَةَ، قُلتُ: أيُّ المُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِن أبِي سَلَمَةَ؟ أوَّلُ بَيْتٍ هاجَرَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ إنِّي قُلتُها، فأخْلَفَ اللَّهُ لي رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَتْ: أرْسَلَ إلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حاطِبَ بنَ أبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي له، فَقُلتُ: إنَّ لي بنْتًا، وأنا غَيُورٌ، فقالَ: أمَّا ابْنَتُها فَنَدْعُو اللَّهَ أنْ يُغْنِيَها عَنْها، وأَدْعُو اللَّهَ أنْ يَذْهَبَ بالغَيْرَةِ)،[٦] فقد أخلفها الله، وعوضها بما هو خير لها وأفضل، فتزوجها -عليه الصلاة والسلام- وأصبح كفيلاً لأبنائها، وأصبحت أماً من أمهات المؤمنين.[٤]


قصة أم سلمة في صلح الحديبية

كانت أم سلمة تشارك المسلمين في حياتهم الاجتماعية والسياسية، وتذهب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزواته، ومن ذلك أنها كانت معه عندما خرج في العام السادس للهجرة لأداء العمرة، وخرج معه الصحابة، إلا أن قريشاً منعتهم، وعقد صلح الحديبية بين قريش والنبي، فلما فرغوا من كتابة العقد، أمر -عليه الصلاة والسلام- أصحابه أن يتحللوا من إحرامهم فيحلقوا وينحروا، إلا أنهم لم يستجيبوا له، ولم يتحرك أحد من مكانه، لانزعاجهم وحزنهم من شروط الصلح وبنوده، وقد كرّر -عليه الصلاة والسلام- قوله وأمره لهم ثلاث مرات، ولم يقم أحد منهم.[٧]


فغضب -عليه الصلاة والسلام- من ذلك، ودخل على أم سلمة، فكان لها الدور البارز الذي يُظهر حكمتها ورجاحة عقلها، فأشارت إليه أن يخرج ويتحلل دون أن يكلم أحداً، فخرج -عليه الصلاة والسلام- ونحر وحلق، فلما رأى المسلمون ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق لبعض، وقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في هذا الموقف: "وإشارتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها".[٤]


المراجع

  1. عبد الحق التركماني، الدخول في أمان غير المسلمين وآثاره في الفقه الإسلامي، صفحة 44. بتصرّف.
  2. عبد الرحمن رأفت الباشا، صور من حياة الصحابيات، صفحة 110-112. بتصرّف.
  3. محمد إلياس الفالوذة، الموسوعة في صحيح السيرة النبوية، صفحة 529. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "أم سلمة"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 1/12/2022. بتصرّف.
  5. "سَرِّيَة أبي سلمة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 1/12/2022. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم سلمة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:918، حديث صحيح.
  7. حافظ بن محمد عبد الله الحكمي، مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة، صفحة 277. بتصرّف.