القرآن كتاب هداية وتغيير

أنزل الله- تعالى- القرآن هدى للناس، ودستور حياة، ليخرجهم به من الظلمات إلى النور، قال -تعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}،[١] فالقرآن منهجٌ ربانيٌ لتغيير حياة الناس إلى الأفضل، فهو يسمو بالإنسان من دنس الكفر والشرك إلى طهر الإيمان والإسلام، ومن ذل المعاصي والذنوب إلى عز الطاعات والقُرُبات، والقرآن سببٌ للسعادة الأبدية في الدارين، قال -تعالى-: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}،[٢] فمن يتَّبعُ ما جاء في القرآن ويعمل به ويهتدي بهداه فسيكون في طمأنينة وأمان، قال -صلى الله عليه وسلم-: (تركتُ فيكم شيئَينِ، لن تضِلوا بعدهما: كتابَ اللهِ، وسُنَّتي)،[٣] والقرآن شفاء ورحمة من الله -تعالى- لعباده، فهو النور المبين والواعظ الأمين الذي يطهر القلوب ويشفي الصدور ويملؤها هدايةً وإيماناً وسرورًا، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}.[٤][٥]


كيف غير القرآن حياة الصحابة؟

لقد كان للقرآن الكريم الأثر الكبير في تغيير حياة الصحابة -رضي الله عنهم- وقلب أحوالهم رأساً على عقب، فكم كان منهم من أشخاص غلاظ شداد قبل سماع القرآن، ولكنهم صاروا رحماء رقاق القلوب بعد سماعه، وكم كان منهم من يعادي ويحارب الإسلام قبل سماعه للقرآن، فلما سمعه دخل في دين الله -تعالى- على الفور وأصبح مسلماً حسن الإسلام، ومنهم من كان شحيحاً فصار كريماً، ومن كان جباناً فصار شجاعاً، فقد نقلهم القرآن من وحل الأرض إلى نور السماء، وجعلهم خير الناس بعد الأنبياء، فحسَّن أخلاقهم، وهذَّب نفوسهم، وكانوا عندما يسمعون القرآن يمتثلون لأوامره بلا تردد، ويجودون بما يملكون بلا تفكير، وفيما يأتي نستعرض بعض النماذج التي تبين لنا كيف تأثر الصحابة بالقرآن وكيف تغيرت حياتهم بسببه.[٦]


كيف غير القرآن حياة عمر بن الخطاب؟

كان عمر بن الخطاب قبل الإسلام رجلاً شديداً قاسياً يهابه كل أحد، ويخافه كل الناس لبطشه وقوته، وقد وصلت به قسوة القلب والغلظة إلى محاربة الإسلام، والمشاركة في تعذيب المسلمين، حتى أنَّه همَّ أن يقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- لكنَّه عندما سمع آيات القرآن تتلى تغيّر حاله، ورق قلبه وذرفت عيونه، ثمَّ دخل في الإسلام، فأصبح ذاك الرجل العابد الزاهد، الذي خطت الدموع في وجهه خطين أسودين، من كثرة سيلانها وجريانها على وجنتيه، خشوعاً وخشيةً لله -تعالى- فقد كان عمر من أتقى الناس وأورعهم، وأكثرهم خوفاً من عقاب الله -تعالى- بالرغم من علو مكانته، ورفعة منزلته في الإسلام، وتبشير النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة، وكان شديد التأثر بآيات القرآن، حتى أنَّه كان يُسمَعُ صوت بكائه في الصلاة من آخر الصفوف.[٧]


كيف غير القرآن حياة أبي طلحة؟

جاء في الحديث: (كانَ أبو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدِينَةِ مَالًا مِن نَخْلٍ، وكانَ أحَبُّ أمْوَالِهِ إلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْخُلُهَا ويَشْرَبُ مِن مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَامَ أبو طَلْحَةَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يقولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وإنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وإنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أرْجُو برَّهَا وذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يا رَسولَ اللَّهِ حَيْثُ أرَاكَ اللَّهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَخٍ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، وقدْ سَمِعْتُ ما قُلْتَ، وإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبِينَ. فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يا رَسولَ اللَّهِ. فَقَسَمَهَا أبو طَلْحَةَ في أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ. وقال يحيى بن يحيى وإسماعيل، عن مالك: (رَايِحٌ)).[٨][٦]


المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:9
  2. سورة طه، آية:2
  3. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2937، حديث صحيح.
  4. سورة يونس، آية:57
  5. عبدالله العواضي (17/5/2018)، "أثر القرآن الكريم في هداية النفوس"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 17/5/2021. بتصرّف.
  6. ^ أ ب أحمد الزومان (28/11/2008)، "الصحابة والقرآن"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 17/5/2021. بتصرّف.
  7. راغب السرجاني (21/4/2010)، "قصة إسلام عمر بن الخطاب"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 17/5/2021. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1461، حديث صحيح.