ثبات الرسول محمد

كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مثالاً للثبات والصبر في مسيرة حياته كلّها، فمذ لحظة بعثته الأولى، والبدء بدعوة الناس للإسلام والمشركين يعترضون طريقه، فلم يعيقه ذلك أو يثبّطه عن العمل لدينه، حتى وصل بالمشركين أن يستعينوا بعمّه -صلّى الله عليه وسلّم- علّه تمكّن منه فيّسكته عن الدعوة، فروي في الحديث: (جاءت قريشٌ إلى أبي طالبٍ فقالوا أرأيتَ أحمدَ يُؤذينا في نادِينا وفي مسجدِنا فانهَهُ عن أذَانا فقال يا عَقيلُ ائتِني بمحمدٍ فذهبتُ فأتيتُه به فقال يا ابنَ أخي إنَّ بني عمِّك زعموا أنك تُؤذِيهم في ناديهم وفي مسجدِهم فانتَهِ عن ذلك قال فلحَظ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ببصرِه وفي روايةٍ فحلقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ببصرِه فقال ما أنا بأقدرُ على أن أدعَ لكم ذلك على أن تُشعلوا لي منها شُعلةً يعني الشَّمسَ، قال فقال أبو طالبٍ ما كذب ابنُ أخي فارجِعوا).[١][٢]


كيف نقتدي بالرسول وأصحابه في ثباتهم

ذكر العلماء عّدة أمور تُعين المسلم على الاقتداء برسول الله وأصحابه، وفيما يأتي ذكر بعض هذه الأمور:[٣]


التخلّق بأخلاق الرسول

فقد قال الله -تعالى- واصفاً نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}،[٤] فعلى المسلم مجاهدة نفسه بالاقتداء بأخلاق النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام، فهو الصادق الصابر، الجواد الكريم، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ).[٥]


محبة الرسول وأصحابه

فالمحبة تورّث الاقتداء بالمحبوب، وقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ).[٦]


طاعة الرسول

فمن أقوى طرق الإقتداء الطاعة؛ حيث قال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.[٧]


صور من حياة الرسول وأصحابه في ثباتهم

ثبات الرسول والصحابة أمام إيذاء المشركين

تعرّض النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته لجميع أشكال الأذى من المشركين، وما كان منهم إلّا الثبات على الحقّ والصبر عليه، فقد نزلت الآية الكريمة-: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}،[٨] يتوعد فيها الله -عزّ وجلّ- أمية بن خلف الذي كان يهزأ من النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، حتى إذا ما رآه يبدأ بهمزه ولمزه بقصد مضايقته، وقد روى عبد الله بن مسعود حديثاً يصف فيه بعض ما كان يلقاه الرسول من أذىً، فقال: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وأَبُو جَهْلٍ وأَصْحَابٌ له جُلُوسٌ، إذْ قالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أيُّكُمْ يَجِيءُ بسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ علَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ به، فَنَظَرَ حتَّى سَجَدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وضَعَهُ علَى ظَهْرِهِ بيْنَ كَتِفَيْهِ، وأَنَا أنْظُرُ لا أُغْنِي شيئًا، لو كانَ لي مَنَعَةٌ، قالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ ويُحِيلُ بَعْضُهُمْ علَى بَعْضٍ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَاجِدٌ لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عن ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأْسَهُ ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ).[٩][١٠]


ثبات الرسول والصحابة على الابتلاءات

كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والصحابة يتعرضون للابتلاءات والاختبارات بشكلٍ دوريّ، فروي عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنّه قال: (قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ الناسِ أشَدُّ بَلاءً؟ قال: الأنبياءُ، ثُمُّ الأمثَلُ فالأمثَلُ، يُبْتَلى الرَّجُلُ على حسَبِ دينِهِ، فإنْ كانَ دينُهُ صُلبًا، اشتَدَّ بلاؤُهُ، وإنْ كانَ في دينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ على قَدْرِ دينِهِ، فما يَبرَحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يتركَهُ يَمْشي على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ)،[١١] ومن الصحابة الذين تعرضوا للفتن في حياتهم؛ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الذي وقف صامداً أمام فتنة المال في خلافته، حيث كان يملك بيت مال المسلمين، إلّا أنّه لم يُفتن به بأخذ المال منه.[١٢]


المراجع

  1. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عقيل بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:194، حديث إسناده حسن.
  2. د. إبراهيم بن محمد الحقيل (24/4/2018)، "ثبات النبي صلى الله عليه وسلم"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 5/6/2021. بتصرّف.
  3. مثنى بن علوان الزيدي (12/12/2011)، "كيف نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 5/9/2021. بتصرّف.
  4. سورة سورة القلم، آية:4
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:47، حديث صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 14، حديث صحيح.
  7. سورة سورة آل عمران، آية:31
  8. سورة سورة الهمزة، آية:1
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:240، حديث صحيح.
  10. صفي الرحمن المباركفوري، كتاب الرحيق المختوم، صفحة 77. بتصرّف.
  11. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سنن أبي داود، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:7، حديث صحيح.
  12. "أبو بكر الصديق ونعمة الثبات"، قصة الإسلام، 2008/07/21، اطّلع عليه بتاريخ 6/5/2021. بتصرّف.