كتابة القرآن الكريم

كان العرب قليلاً ما يكتبون، وقد وُصفوا بذلك في القرآن الكريم، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ}،[١] فكان القرآن يُحفظ في الصدور، وقليلاً ما كان يُكتب منه بعض الآيات أو السور على الحجارة، والجلود، وكان في بداية الأمر قد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كتابة شيءٍ عدا القرآن حتى حديثه، وذلك خوفاً من اختلاط القرآن بالحديث، ولكي يُحفظ القرآن من الزيادة أو النقص، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يُوكّل كتابة القرآن لمن عُرفوا بكُتّاب الوحي من أصحابه، وهم؛ الخلفاء الأربعة، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وبقي معظم القرآن من غير كتابةٍ، محفوظًا في الصدور، وعلى الجلود وغيرها حتى قُتل الكثير من حفاظ القرآن في حروب الردة في خلافة أبي بكر الصديق، فخشي -رضي الله عنه- من ذهاب القرآن وضياعه من الصدور، فاستشار كبار الصحابة في جمع القرآن في كتابٍ واحدٍ ليُحفظ من الضياع، فأوكل هذه المهمة لزيد بن ثابت -رضي الله عنه- الذي عُرف بأنَّه جبل الحفظ.[٢]


من أول صحابي كتب القرآن؟

هو الصحابي الجليل زيد بن ثابت، وروى -رضي الله عنه- قصة كتابته للقرآن قائلاً:[٢]

(أَرْسَلَ إلَيَّ أبو بَكْرٍ مَقْتَلَ أهْلِ اليَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ، قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: إنَّ عُمَرَ أتَانِي فَقالَ: إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَومَ اليَمَامَةِ بقُرَّاءِ القُرْآنِ، وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ بالمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وإنِّي أرَى أنْ تَأْمُرَ بجَمْعِ القُرْآنِ، قُلتُ لِعُمَرَ: كيفَ تَفْعَلُ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ عُمَرُ: هذا واللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لذلكَ، ورَأَيْتُ في ذلكَ الذي رَأَى عُمَرُ، قالَ زَيْدٌ: قالَ أبو بَكْرٍ: إنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ، وقدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَوَاللَّهِ لو كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ ما كانَ أثْقَلَ عَلَيَّ ممَّا أمَرَنِي به مِن جَمْعِ القُرْآنِ، قُلتُ: كيفَ تَفْعَلُونَ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟، قالَ: هو واللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أبو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ له صَدْرَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ واللِّخَافِ، وصُدُورِ الرِّجَالِ، حتَّى وجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مع أبِي خُزَيْمَةَ الأنْصَارِيِّ لَمْ أجِدْهَا مع أحَدٍ غيرِهِ، {لقَدْ جَاءَكُمْ رَسولٌ مِن أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عليه ما عَنِتُّمْ} حتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أبِي بَكْرٍ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه).[٣]


نبذة عن زيد بن ثابت

هو زيد بن ثابت بن الضحّاك الأنصاري من بني النجار، وبني النّجار هم أخوال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة، توفي والداه في يوم بُعاث، فكان يتيمـًا عندما قدِم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينـة، فأسلـم -رضي الله عنه- وباركه النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالدعاء، وكان من حُفاظ القرآن، يتابع حفظه، ويكتب الوحي، وقد قرأ القرآن على النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- في العام الذي توفي فيه -عليه السّلام- مرّتين، وسُمّيت بقراءة زيد بن ثابت لأنَّه هو من كتبها لرسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وقرأها عليه، وشَهِدَ عرضتها الأخيرة، فكان -رضي الله عنه- يُقرىء بها الناس حتى وفاته.[٤]


مناقبه ووفاته

عُرف -رضي الله عنه- بأنَّه أعلم الأمّة بالفرائض، واستعمله عمر بن الخطاب على القضاء، وقال عنه ابن سيرين: "غلب زيد بن ثابت الناس بخصلتين، بالقرآن والفرائض"، وكان متفوّقاً، عالماً، وحكيماً، وعندما بدأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في إبلاغ الدعوة خارج المدينة، وإرسال الكتب للملوك والقياصرة، أمر زيداً بتعلُّم بعض اللّغات فتعلمها -رضي الله عنه- في وقت قصير، توفي في عهد معاوية في السنة الخامسة والأربعين من الهجرة، فرثاه حسّان بن ثابت، وقال أبو هريرة: "مات اليوم حبر هذه الأمة، ولعل الله يجعل في ابن عباس منه خلف".[٤]


المراجع

  1. سورة الجمعة، آية:2
  2. ^ أ ب فريق موقع الاسلام سؤال وجواب (30/9/2002)، "من الذي كتب القرآن وكيف تم تجميعه ؟"، الاسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 3/5/2021. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم:4986، حديث صحيح.
  4. ^ أ ب د. راغب السرجاني (1/5/2006)، "زيد بن ثابت"، قصة الاسلام ، اطّلع عليه بتاريخ 3/5/2021. بتصرّف.