فقه عبد الله بن مسعود
بلغ عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- منزلة عظيمة في العلم، فقد كان من نجباء الصحابة العالِمِين، فكان محدثاً؛ عُرف بكثرة روايته للحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن العديد من الصحابة، وكان مفسراً؛ اشتهر بعلمه الغزير في تفسير القرآن الكريم، فكان من أعلم الصحابة في القرآن الكريم، ومن أشهر ما تميزّ به أيضاً الفقه والإفتاء؛ فقد برز وبزغ في جانب الفقه، فكان فقيهاً كبيراً، ومفتياً مسدّد الخطى.[١][٢]
كان -رضي الله عنه- يلقّب بفقيه الأمة، لعلمه الغزير في الفقه والفتيا، فقد بعثه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقيهاً وقاضياً إلى أهل الكوفة، وقد وصفه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه حبرٌ في العلم، وكان قد أوصى معاذ بن جبل -رضي الله عنه عند وفاته- بالتماس العلم وأخذه من أربعة منهم عبد الله بن مسعود، وكان -رضي الله عنه- قوي النزع في الفتيا، مسدّد الرأي في القضاء، عاش في الكوفة يعلّم أهلها الحديث والقرآن، يفتيهم في أمورهم، ويقضي بينهم، ويحلّ منازعتهم.[١][٣]
وقد نشأت مدرسة الرأي في الكوفة على يديه حتى ذاع صيتها في منتصف القرن الثاني الهجري على يد صاحب المذهب الفقهي أبي حنيفة وأصحابه، حيث يعد عبد الله بن مسعود أساس هذا المذهب، وقد أخذ العلم عنه خلقٌ كثير من كبار التابعين وعلمائهم وفضلائهم منهم؛ علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، وشريح، وعبيدة السلماني، والحارث الأعور، والربيع، وغيرهم الكثير.[٢][٤]
منهجه في القضاء وتحرّيه للفتيا
كان -رضي الله عنه- يقضي بين الناس بما في كتاب الله -تعالى-، فإذا جاءه أمر ليس في كتاب قضى به بما في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبما قضى به، فإن لم يجد، قضى به بما قضى به الصالحون، فإن لم يجد اجتهد برأيه، فكان يتحرّج في القول بمسألة ليس عنده فيها دليل واضح، إلا أنه إذا احتاج الأمر للاجتهاد، ولم يجد بدّاً إلا أن يقول برأيه، أفتى الناس بما يريه الله -تعالى-، ولا يتركهم في حيرة يتخبطون، لأنه يرى أن ذلك مسؤولية عليه.[٥]
تتبّعه الحق وتراجعه عن الخطأ
كان -رضي الله عنه- إذا أخطأ في الحكم رجع عنه ونقض بنفسه ما حكم به دون أن يتحرّج في ذلك، فإذا أفتى الناس سأل غيره من الصحابة، فيبقى على رأيه إن وافقوه ويرجع عنه إن خالفوه بدليل شرعي، وكذلك لا يتردد في تقويم غيره إذا أخطأ في الفتوى، وبيان وجه الحق، فقد كان -رضي الله عنه- رجاعاً إلى الحق.[٦]
نماذج من آرائه الفقهية
كان -رضي الله عنه- من الصحابة المكثرين في الفتوى، فقد كان في المرتبة العليا في الفقه من بين الصحابة، حيث تعد آراؤه وأقضيته مصدراً هاماً اعتمد عليه الفقهاء، وكذا حال الصحابة- رضوان الله عليهم-؛ لكونهم أقرب عهداً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأعلم الناس، ومن آرائه في مجال الفقه:[٧]
- نقل عنه في معنى لفظ القرء أنه الحيض، في قوله -تعالى-: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ).[٨]
- يرى أن الإفراد في الحج أفضل من التمتع والقران.
- يرى بتوريث ذوي الأرحام إن لم يكن وارث ذو قرابة.
- يرى وقوع الطلاق الثلاث ثلاثاً وإن كن مجتمعات.
- يرى وجوب العمرة كالحج.
- يرى أن مطلق اللمس ما دون الجماع ينقض الوضوء.
المراجع
- ^ أ ب الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 461. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الجواد خلف، مدخل إلى التفسير وعلوم القرآن، صفحة 87-89. بتصرّف.
- ↑ أبو إسحاق الشيرازي، طبقات الفقهاء، صفحة 43-44. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، عبد الله بن مسعود عميد حملة القرآن وكبير فقهاء الإسلام، صفحة 277. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، عبد الله بن مسعود عميد حملة القرآن وكبير فقهاء الإسلام، صفحة 235-237. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، عبد الله بن مسعود عميد حملة القرآن وكبير فقهاء الإسلام، صفحة 237-239. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، عبد الله بن مسعود عميد حملة القرآن وكبير فقهاء الإسلام، صفحة 258-274. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:228