فصاحة أبي بكر وخطابته

كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- من أفصح الصحابة، ومن أخطبهم، وكان قبل الإسلام من أعلمهم في الأنساب، فحمل همّ الدعوة مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- واشتغل في تبليغ الدين عنه، فإنَّ فصاحته وبيانه كانا مُعيناً له على فهم القرآن والسُّنة، والعمل بهما، وإيصال الخير للناس، وقد شهد له العلماء بأنَّ فصاحته ليس فيها تكلُّف ولا سجع ولا تشدّق بالكلام، ومع ذلك كانت خُطبه تَجمع ما بين المعاني المكتملة، وما بين الوجه الأحسن، والبيان والفهم، كما كان -رضي الله عنه- يخطب في حضور النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وفي غيابه، والنبي -صلّى الله عليه وسلّم- يُقِرُّه فيما يقول، فقد كان عوناً له في التمهيد والتوطئة لتبليغ الدعوة، لا سِيّما في مخاطبة وفود القبائل، سواء في غياب -النبي صلّى الله عليه وسلّم-، أو في حضوره وخروجه -عليه الصلاة والسلام- إليهم لدعوتهم، وعندما توفي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان أبو بكر هو من خطب في الناس وثبّتهم، وأعادهم إلى رشدهم.[١]


أول خطبة لأبي بكر الصديق

بعد انتقال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- للرفيق الأعلى اختار المسلمون أبا بكر الصديق لخلافتهم، وتولي أمورهم، فقام -رضي الله عنه- وخطب فيهم خطبته الشهيرة المعروفة، وكانت قصيرة في وقتها، بليغة في كلماتها، وغنية في معانيها، فلم تكن بحاجة إلى توضيح أو تفسير، ولم يكن بين كلماتها ما يُشكِلُ على السامع أو ما لا يفهمه، وقد وردت خطبته في البداية والنهاية بإسناد صحيح بقوله:


"أما بعد أيها الناس فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينُوني، وإن أسأت فقوِّمُوني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قومٍ إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله".[٢]


دروس وعبر في خطبة أبي بكر الصديق

بالرُّغم من قِصر خطبة أبي بكر-رضي الله عنه- وبساطة كلماتها ومعانيها، إلا أنَّها تعدُّ دُستوراً لكلِّ من استرعاه الله تعالى رعيَّةً كان مسؤولاً عنها، سواء أكان راعياً لأسرةٍ صغيرةٍ، أو كان راعياً لأمّةٍ كبيرةٍ، أو ولايةٍ عامّة، فقد لخّص فيها ما يستوجب من كلّ راعٍ تجاه رعيّته، ومن كلّ حاكم تجاه محكومه، ومن كلّ رئيس تجاه مرؤوسه، ومن كلِّ ملك تجاه شعبه وأمَّته، كما ظهر فيها تواضع أبي بكر -رضي الله عنه- وعدم تمييزه لنفسه أو ترفُّعه عن أفراد أمته، فقد كان يعلم بأنَّ استخلافه على المسلمين كان تكليفاً وليس تشريفاً، وما كان أبو بكر -رضي الله عنه- ينطِق بهذا الفهم إلا نتيجة ملازمته للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- وتعلُّمه منه، وتأدُّبه على يديه، وقراءته الصحيحة للقرآن الكريم، وتدبّر ما فيه، فاستطاع بذلك أن يُقبل على نفسه، ويُروضها ويُهذبها، وينطق بالحق ولو على نفسه.[٣]


المراجع

  1. أبو الهيثم محمد درويش (23/9/2020)، "مع الصديق رضي الله عنه - الصديق أفصح الصحابة وأخطبهم "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 5/7/2021. بتصرّف.
  2. فريق موقع إسلام ويب (18/9/2007)، "من فضائل أبي بكر رضي الله عنه"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 5/7/2021. بتصرّف.
  3. أحمد شريف النعسان (23/7/2016)، "وليت عليكم ولست بخيركم .. درس لكل عاقل"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 5/7/2021. بتصرّف.