اهتمام عمر بالشعر
كان عمر بن الخَطَّاب -رَضيَ الله عنه- يهتمّ بوضوحٍ بالشِّعر، وقد أُثِر عنه الكثير من الأقوال، والمواقف المتَّصلة بالشِّعر، وهو من أكثر الخلفاء والوُلاةِ الذين أبدَوا رأيهم فيه ونقدوه، وكان واضحاً في نقده ومواقفه التَّطبيق العَمَلي للأُسس والقواعد الإسلامية المتعلّقة بالكَلمَة والشِّعر، فبالرّغم من انشغاله بأمور الدولة، والأعباء السياسية إلا أنَّه لم يكن يهمل الجانب الفكريّ والأدبيّ، فقد كان حاضراً في ذهنه الدّور المهم للشِّعر في حياة العرب، وكان يعلم أنَّ واجبه هو تسديدُ وتصويبُ مسارِ الشِّعر بناءً على ما يعكِس العقيدة السليمة، ويمثّل تصوّراً إسلامياً لهذا الأدب، ويحتكِم في ذلك إلى الأخلاق الإسلامية ويُراعي معايير التنظير والتقعيد، والاستحسان والاستقباح، كما كانت آراءُ عمر -رضي الله عنه- كثيرةً وسديدةً سواء من الجانب التشريعي والتنظيري للشّعر وذلك في بيان ما هو مقبول منه وما هو مرفوض، ووضع معايير لذلك، أو من الجانب التنفيذيّ والتطبيقيّ للشّعر من حيث مراعاة الشعراء للمبادئ والنظريات الإسلامية وتحكيمهم إليها.[١]
قصة الحطيئة وعمر بن الخطاب
من هو الحطيئة؟
اسمه جرول بن أوس بن مالك، يُلقب بالحطيئة لشدّة قِصره فقد كان قريباً من الأرض، كان من فحول الشعر والفصحاء في قوله، ولكنَّه عُرِف بِشَرِّه، وانتسابه المتردّد بين قبائل العرب، فكان إذا غضِب من قبيلة انتمى إلى قبيلةٍ أخرى، وهو من الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وقيل بأنَّه أسلم ثمَّ ارتد بعد ذلك.[٢]
من هو الزبرقان؟
اسمه الحصين بْن بدر بْن امرئ القيس ابن خلف بْن بهدلة بْن عوف بْن كعب بْن سعد بْن زيد بْن مناة بْن تميم التميمي السعدي، كنيته أبو عياش، وقيل أَبُو شذرة، لُقّب بالزبرقان لجماله وحُسنه، كما كان يُقال له الزبرقان القمر، وقيل أنَّه لُقب بذلك لأنَّه كان يلبس عمامةً مزبرقة بالزعفران، كان من الأسياد في الجاهلية، وعندما أسلم كان عظيم القدر بين المسلمين، وقد وفَد على النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع بني تميم في العام التاسع من الهجرة فأسلموا.[٣]
قصة الهِجاء
ذُكر بأنَّ الزبرقان كان مُسافراً من البصرة إِلَى عمر بن الخطاب يحمِل صدقات قومه، فلقي الحطيئة في طريقه، وكان الحطيئة مسافراً إلى العراق طلباً للعيش مع أهله وأولاده، فأعطاه الزبرقان علامةً ليقصد أهله، ويكون بها ضيفًا عنده حتى يعود، ففعل الحطيئة ذلك،[٣] فاستضافته زوجة الزبرقان وأكرمته، ثمَّ أفسد بعض القوم بينه وبين زوجة الزبرقان حسداً منهم، وأغروه بالعطيّة، فتثاقلت زوجة الزبرقان من مكوثه في ضيافتهم، فشعر بذلك واقتنع بكلامهم وهجا الزبرقان قائلاً:[٤]
أزمعتُ يأساً مبيناً من نَوالكم * * * ولا تَرى طارداً للحرِ كالياس
دع المكارمَ لا ترْحلْ لبغيتها * * * واْقعد فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسي
من يفعلِ الخيرَ لا يعدم جوازيهُ * * * لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ
الاحتكام إلى عُمر
اشتكى الزبرقانُ الحطيئةَ إِلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فاستشارَ عمرُ حسّان بْن ثابت في قول الحطيئة إن كان هجاءً،[٣]فقال حسّان: "ما هجاه ولكن سلح عليه"، أي أنَّه بالغ هجائه، فقام عمر بن الخطاب بحبسِ الحطيئة، فقال الحطيئة شِعراً يستعطف فيه عمر قائلاً:[٤]
ماذا تقولُ لأفراخ بذي مَرَخٍ * * * حمرِ الحواصِلِ لا ماءٌ ولا شجرُ
ألقيتَ كاسبَهم في قعرِ مظلمةٍ * * * فاغفرْ عليكَ سلامُ الله يا عمرُ
ما آثروكَ بها إذ قدموك لها * * * لكنْ لأنفسِهم كانت بكَ الأثر
عفو عمر عن الحطيئة
شفع الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بْن عوف للحطيئة عند عمر، فأخلى سبيله بعد أن عاهده الحطيئة بأن لا يهجو أحدًا بعدها، وتوعده عمر بالعقاب إن فعل،[٣]
وجعل له عمر ثلاثة آلاف درهم ليشتري بها أعراض المسلمين من هجائه، فقال الحطيئة شعراً يتأسف فيه على الهجاء:[٤]
وأخذتَ أطرار الكلامِ فلم تدع * * * شتماً يضرُّ ولا مديحاً ينفعُ
ومنعتني عِرضَ البخيل فَلم يخفْ * * * شتمي وأصبح آمناً لا يجزعُ
المراجع
- ↑ د. وليد قصاب (2/7/2008)، "الرؤية الإسلامية للأدب عند عمر بن الخطاب"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 20/6/2021. بتصرّف.
- ↑ ابن شاكر الكتبي، فوات الوفيات، صفحة 276. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ابن الأثير، أبو الحسن، أسد الغابة، صفحة 303. بتصرّف.
- ^ أ ب ت د. بدر عبد الحميد هميسه، "ميلاد شاعر"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 20/6/2021. بتصرّف.