ما هو الاجتهاد؟
الاجتهاد في اللغة هو: بذل الجهد والطاقة في فعل أمرٍ من الأمور بمشقة وتكلف، والاجتهاد في الاصطلاح الشرعي هو: "استفراغ الفقيه وسعه لدَرْك حكم شرعي"، ومعناه أن يبذل الفقيه المُجتهد كل ما بوسعه وغاية جهده بحيث يشعر بأنه وصل لأقصى حد من الاستطاعة وأنه يعجز عن المزيد من المعرفة فيما يجوز فيه الاجتهاد من أجل استخراج الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية، والاجتهاد مشروعٌ في الإسلام وهو أصلٌ من أصول الشريعة، وله أدلة كثيرة من القرآن والسنة، قال -تعالى-: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}،[١] وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أصابَ، فَلَهُ أجْرانِ، وإذا حَكَمَ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأَ، فَلَهُ أجْرٌ"،[٢] وقد قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: "قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكمٍ عالمٍ أهلٍ للحُكم".[٣]
الاجتهاد في عصر صغار الصحابة
عصر صغار الصحابة هو العصر الثالث من عصور التشريع الإسلامي بعد عصري الرسول -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين وكبار الصحابة -رضي الله عنهم- وقد بدأ هذا العصر من تولي معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- الحكم إلى أوائل القرن الثاني الهجري،[٤] وقد امتاز هذا العصر بالعديد من الأمور، ومنها:[٥][٦]
- اعتمد الاجتهاد في هذا العصر على القرآن والسنة ثم الإجماع ثم الرأي مع مراعاة المصالح والمفاسد.
- اتساع دائرة الاجتهاد وكثرة الخلاف في مسائل الفقه بسبب انتشار الفقهاء من الصحابة في البلدان واختلاف الظروف والأعراف في كل بلد.
- انتشار رواية الحديث، وظهور الوضع والكذب من قبل الزنادقة والمُفسدين من أعداء الإسلام، مما أدى إلى عرقلة عمل الفقهاء.
- ظهور علم الجرح والتعديل لخدمة الحديث الشريف والتحقق من أحوال الرواة.
- ظهور مدرسة أهل الرأي في الكوفة ومدرسة أهل الحديث في المدينة.
- ظهور الخوارج والشيعة بسبب الخلاف السياسي بين المسلمين بعد مقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
مشاهير صغار الصحابة من الفقهاء والمجتهدين
عبد الله بن عباس
وهو ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد الفقهاء والمجتهدين في عصره، وذلك ببركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالفقه والعلم حيث قال: "اللَّهمَّ فقِّههُ في الدِّينِ، وعلِّمهُ التَّأويلَ"،[٧] وهو أكثرُ من أفتى من الصحابة، وقد جُمعت فتاويه في عشرين مجلداً.[٨]
عبد الله بن عمر
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- من السابقين الأولين ومن الزاهدين والعباد من الصحابة ومن كبار العلماء في عصره، وقد ظل يفتي المسلمين حوالي ستين سنة، وهو من المُكثرين في رواية الحديث النبوي.[٩]
معاوية بن أبي سفيان
وهو الخليفة السادس للمسلمين، ومؤسس الدولة الأموية، وهو من فقهاء الصحابة المشهود لهم بالعلم، وكان من كُتاب الوحي عند الرسول -صلى الله عليه وسلم-.[١٠]
عبد الله بن الزبير
وهو أول مولود وُلد للمسلمين بعد الهجرة، وهو من علماء الصحابة وفقهائهم، كان كثير العبادة ذا لسان فصيح، بويع بالخلافة بعد موت معاوية وكان آخر خليفةٍ للمسلمين من الصحابة.[١١]
أمثلة على اجتهاد عبد الله بن عباس
اجتهد عبد الله بن عباس في كثير من المسائل، وانفرد برأيه، سواء في الفقه أو في التفسير، ومن ذلك:
- رأيه في أن القيء لا يفسد الصوم مطلقاً، سواء كان تعمداً، أو لا، حيث كان يقول: "الصوم مما دخل، وليس مما خرج".[١٢]
- تفسيره للآية الكريمة: (أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلوا نِعمَتَ اللَّـهِ كُفرًا وَأَحَلّوا قَومَهُم دارَ البَوارِ)،[١٣] فعن عطاء: أنه سمع ابن عباس يقول في من يُقصد بهم في الآية أنهم كفار أهل مكة.[١٤]
- رأيه في أن أقل مدة الحمل ستة أشهر.[١٥]
مثال على اجتهاد معاوية بن أبي سفيان
اجتهد -رضي الله عنه- عندما تولى الخلافة، وكثرت في زمانه الحنطة الشامية ورخُصت، بإخراج نصف صاع من الحنطة الشامية زكاة للفطر، ولم يكن هذا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين، فكانت زكاة الفطر صاعاً من أي نوع من أنواع الطعام، جاء في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخري -رضي الله عنه-: (كُنَّا نُعْطِيهَا في زَمَانِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَاعًا مِن طَعَامٍ، أوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وجَاءَتِ السَّمْرَاءُ، قالَ: أُرَى مُدًّا مِن هذا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ)،[١٦]والصاع أربعة أمداد.[١٧]
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية:105
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم:1716 ، حديث صحيح.
- ↑ محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 275-278. بتصرّف.
- ↑ مناع القطان، تاريخ التشريع الإسلامي، صفحة 257. بتصرّف.
- ↑ "نشأة الفقه الإسلامي وتاريخ التشريع"، موقع فضيلة الشيخ الدكتور خالد عبد العليم متولي، اطّلع عليه بتاريخ 12/3/2022. بتصرّف.
- ↑ الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، صفحة 374. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في شرح الطحاوية، عن عبدالله بن عباس ، الصفحة أو الرقم:214، حديث صحيح.
- ↑ الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، صفحة 333. بتصرّف.
- ↑ الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، صفحة 336. بتصرّف.
- ↑ الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، صفحة 337. بتصرّف.
- ↑ الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، صفحة 338. بتصرّف.
- ↑ مصطفى سعيد الخن، عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، صفحة 91. بتصرّف.
- ↑ سورة إبراهيم، آية:28
- ↑ مصطفى سعيد الخن، عبد الله بن عباس حبر الإمة وترجمان القرآن، صفحة 123. بتصرّف.
- ↑ مصطفى سعيد الخن، عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، صفحة 101. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1508، صحيح.
- ↑ "شروح الأحاديث"، الدرر السنية الموسوعة الحديثية، اطّلع عليه بتاريخ 23/6/2022. بتصرّف.