ما هو المقصود بقول الصحابي؟

المقصود بقول الصحابي هو رأيه ومذهبه في الأحكام الشرعية الاجتهادية، فالصحابي هو كل شخص التقى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مؤمن به، ومات على الإيمان، ولو كانت مدة صحبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- قصيرة،[١] وقد عاش كثير من الصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ولازموه في أغلب أوقاته، وسمعوا وتعلموا منه، وشاهدوا تطبيقه للدين بشكل عملي، فأصبحوا هم أكثر الناس فهماً للدين وعلماً بأحكامه بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-،[٢] فقد كان مِن الصحابة -رضي الله عنهم- علماء اشتُهروا بشدة الذكاء وغزارة العلم ودقة الفهم وكثرة الحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأصبح الناس يرجعون إليهم فيما أشكل عليهم من مسائل وقضايا بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانت لهم أقوال وفتاوى واجتهادات كثيرة، قام العلماء من التابعين وتابعيهم بتدوينها ونقلها عنهم.[٣]


شروط العمل بقول الصحابي

أجاز العلماء العمل بقول الصحابي الذي يُقال مثله بالرأي والاجتهاد -إذا صحت نسبته إليه- بشروط، هي:[٤]

  • ألا يخالف نصاً شرعياً، فإذا خالف نصاً شرعياً فيُعمل بالنص، ولا يُؤخَذ بقول الصحابي، ومثال ذلك ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- بأنه أفتى بأن للبنتين نصف التركة من الميراث إذا كانتا لوحدهن، وهذا مخالف لإجماع أهل العلم من بعده حيث أجمعوا بأن للبنتين الثلثين، لقوله -تعالى-: (فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)،[٥] ولما ورد في السنة النبوية في شرح هذه الآية وبيانها.
  • ألا يخالَف قولُه قولَ غيرِه من الصحابة، ففي هذه الحالة يجب الترجيح بين الأقوال، وعدم العمل بأحدها دون الآخر من غير ترجيح، ومثال ذلك ما روي في مسألة الحاج الذي جامع زوجته بعد التحلل الأول وقبل طواف الإفاضة، ما حكمه؟، فقد قال ابن عباس -رضي الله عنه- بأن حجه يصح، ويجب عليه أن يؤدي عمرة، وتلزمه الفدية، وقال ابن عمر -رضي الله عنه- بأن حجه لا يصح وعليه أن يقضيه في العام القادم.
  • ألا يُنكره أحد من الصحابة في زمنه -رضي الله عنهم-، ومثال ذلك ما روي في الحديث: (قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه يَوْمًا لأصْحَابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فِيمَ تَرَوْنَ هذِه الآيَةَ نَزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}؟ قالوا: اللَّهُ أعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: قُولوا: نَعْلَمُ أوْ لا نَعْلَمُ، فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: في نَفْسِي منها شَيءٌ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: يا ابْنَ أخِي، قُلْ ولَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: أيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بطَاعَةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ له الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بالمعاصِي حتَّى أغْرَقَ أعْمَالَهُ).[٦]


حجية قول الصحابي

اتفق العلماء على أن قول الصحابي الذي لا يكون من باب الاجتهاد والرأي -كالأمور الغيبية- هو حجة على المسلمين؛ لأن هذا القول لا يمكن أن يصدر عن الصحابي إلا بدليل شرعي سمعه من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كقول عائشة -رضي الله عنها- في فساد بيع النقود قبل نقد الثمن؛ أي قبل دفع الثمن نقوداً، وأنه يحبط العمل الصالح والجهاد، فمثل هذا لا يمكن أن يكون قولاً صادراً عن اجتهاد شخصي، واتفق العلماء كذلك أن قول الصحابي حجة إذا لم يخالفه فيه أحد من الصحابة، واتفقوا كذلك على أن رأي الصحابي في الاجتهاد ليس حجة على غيره من الصحابة المجتهدين المخالفين له، ولكنهم اختلفوا في حجية تعدد أقوال واجتهادات الصحابة المختلفة، فذهب الإمام مالك والإمام أبو حنيفة إلى أنها حجة، وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد إلى أنها ليست بحجة.[٧]


المراجع

  1. عماد الشربيني، عدالة الصحابة، صفحة 10. بتصرّف.
  2. محمد الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 271. بتصرّف.
  3. عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه، صفحة 94. بتصرّف.
  4. رقم السؤال229770 (11/5/2015)، "هل أقوال علماء الصحابة حجة لا يجوز مخالفتها"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 25/9/2021. بتصرّف.
  5. سورة النساء، آية:11
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبيد بن عمير، الصفحة أو الرقم:4538، حديث صحيح.