قصة الصحابي حاطب بن أبي بلتعة

حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- صحابي جليل، له حضور بارز في عدد من مشاهد الدّعوة والتاريخ الإسلامي؛ منها أنّه كان ممّن شهد بدراً؛ ثمّ إنّ النبي الكريم أرسله في السنة السادسة من الهجرة إلى المقوقس في مصر، ومثل ذلك فعله معه الصّديق أبو بكر في خلافته.[١]


ولا يُخفي حاطب -رضي الله عنه- أنّه اجتهد فأخطأ في أمرٍ كاد أنْ يكشف سرّا من أسرار الدّولة العسكرية؛ وتمثّل ذلك في إرساله رسالة بالسّرِ إلى بعض من رجالات مشركي قريش يخبرهم بعزمِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فتح مكة.

وقد أخرج البخاري عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: (بَعَثَنِي رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَا، والزُّبَيْرَ، والمِقْدَادَ، فَقالَ: انْطَلِقُوا حتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فإنَّ بهَا ظَعِينَةً معهَا كِتَابٌ، فَخُذُوا منها).


يقول علي -رضي الله عنه-: (فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بنَا خَيْلُنَا حتَّى أتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بالظَّعِينَةِ، قُلْنَا لَهَا: أخْرِجِي الكِتَابَ، قالَتْ: ما مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ، أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قالَ: فأخْرَجَتْهُ مِن عِقَاصِهَا).


ويكشف علي -رضي الله عنه- عمّا تضمنه الكتاب؛ فيقول: (فأتَيْنَا به رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ، إلى نَاسٍ بمَكَّةَ مِنَ المُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ ببَعْضِ أمْرِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا حَاطِبُ، ما هذا؟!).


ويروي علي -رضي الله عنه- ما أجاب به حاطب -رضي الله عنه- عن نفسه؛ فيقول: (قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، لا تَعْجَلْ عَلَيَّ؛ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ -يقولُ: كُنْتُ حَلِيفًا، ولَمْ أكُنْ مِن أنْفُسِهَا- وكانَ مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ مَن لهمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أهْلِيهِمْ وأَمْوَالَهُمْ، فأحْبَبْتُ -إذْ فَاتَنِي ذلكَ مِنَ النَّسَبِ فيهم- أنْ أتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، ولَمْ أفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عن دِينِي، ولَا رِضًا بالكُفْرِ بَعْدَ الإسْلَامِ).


(فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَا إنَّه قدْ صَدَقَكُمْ، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنَافِقِ، فَقالَ: إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ علَى مَن شَهِدَ بَدْرًا، فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ؛ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. فأنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} إلى قَوْلِهِ: {فقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}[٢]).[٣]


دروس وعبر من قصة حاطب بن أبي بلتعة

قصة حاطب بن أبي بلتعة بكافة جوانبها وطريقة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في التّعامل معها انطوتْ على كثير من الدروس والعِبر التي يجدر الوقوف عندها:[٤]

  • شهدتْ القصة في بدايتها دليلاً على علامة من علامات النّبوة؛ حيث أعلم الله -سبحانه- بخبر رسالة حاطب التي حملتها المرأة إلى مشركي قريش.
  • منْع النبي الكريم الإساءة لحاطب -رضي الله عنه- بالقتل أو الوصف بالنّفاق كان اقتناعاً من النبي الكريم بصدق مبرراته، رغم خطورة ما أقدم عليه.[٥]
  • شهدت أحداث القصة حرص الصحابة الكرام على حماية أسرار الدّولة الإسلامية.
  • بيان كرامة وقدر الصحابة الذين أكرمهم الله -تعالى- بشهود غزوة بدر، وقد كان حاطب -رضي الله عنه- واحداً منهم.
  • التّأكيد على أهمية الصّدق وعدم افتعال المبررات الكاذبة عند المسائلة الرسمية؛ فقد حرص حاطب -رضي الله عنه- على الاعتراف بكل دوافعه والتّأكيد على براءة دينه من الكفر أو النّفاق.
  • تؤكّد فصول القصة على سعة صدر النبي الكريم وحرصه على عدم استباق الحكم على المخطئ قبل إعطائه فرصة الدّفاع عن نفسه.[٥]
  • تحملُ مشاهد الأحداث إشعاراً صريحاً أنّ الخطأ أو التّقصير من صفات البشر، ولم يسلم منها إلا الأنبياء المعصومون.

المراجع

  1. ابن عبد البر (1992)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب (الطبعة 1)، بيروت:دار الجيل، صفحة 314-315، جزء 1. بتصرّف.
  2. سورة الممتحنة، آية:1
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:4274 ، صحيح.
  4. "شرح قصة حاطب بن أبي بلتعة"، الدرر السنية شروح الأحاديث، اطّلع عليه بتاريخ 22/7/2023. بتصرّف.
  5. ^ أ ب راغب السرجاني (15/5/2014)، "قصة حاطب بن أبي بلتعة في فتح مكة"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 22/7/2023. بتصرّف.