عاصر الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قرابة الأربع سنوات، وكان ملازماً له طيلة فترة إسلامه، ملازمة تامة، يصاحبه أينما حل وارتحل، ويقضي معه معظم يومه،[١] ممّا كان سبباً مباشراً في أنّه سمع الكثير من الأحاديث من رسول الله، وشاهد دقائق السنّة النبويّة، ومنهج تطبيق الشريعة الإسلامية من نبيّ الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقد أسلم -رضي الله عنه- على يدّ الطفيل بن عمرو الدوسي -عليه رضوان الله-، وكان ذلك في اليمن في يوم خيبر؛ في السنة السابعة بعد الهجرة، وقد ذكرت كتب السيرة النبوية روايةً أخرى في ذلك؛ وهي أنّ أبا هريرة -رضي الله عنه- أسلم قبل هجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عندما قدم الطُفيل بن عمرو إلى مكة المكرمة، وكان قد اجتمع برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عند الكعبة، فدخل في الإسلام، ثمّ أوصاه -عليه الصلاة والسلام- بدعوة قومه، فلمّا عاد -رضي الله عنه- لليمن أسلم مع الطفيل أبوه وأبو هريرة -رضي الله عنهم-.[٢]


علم أبي هريرة

  • امتاز أبو هريرة -رضي الله عنه- بحبه لطلب العلم، واهتمامه الكبير بالتفقه بالدين، وحرصه على مصاحبة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وحفظ الأحاديث منه،[٣] فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ: لقَدْ ظَنَنْتُ، يا أبَا هُرَيْرَةَ، أنْ لا يَسْأَلَنِي عن هذا الحَديثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ، لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِكَ علَى الحَديثِ، أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ مَن قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قِبَلِ نَفْسِهِ).[٤][٥]
  • ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يتأخر في إجابة أسئلته؛ لِما رأى منه الحرص والدقة في طلبه العلم، وكان رضي الله عنه ملازماً للمسجد، لا ينقطع عن مجالس الذكر والعلم، عرف الكثير من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وحرص على تطبيقها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرسله إلى البحرين ليكون مؤذناً وإماماً.[٥]
  • وقد اشتُهر -رضي الله عنه- بكثرة علمه بين الصحابة، فكانوا يرجعون له في الفتوى، وكان يُحدّث في مسجد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ويُجيب السائلين بوجود علماء الصحابة وكبارهم، كالصحابي زيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، فكانوا يحيلون السائلين عليه.[٥]


رواية أبي هريرة للحديث

امتاز أبو هريرة رضي الله عنه بكثرة رواية الأحاديث وحفظها، رغم قلة السنين التي عاشها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سبب ذلك قوة حفظه، وجرأته في السؤال، وعدم انشغاله بالأمور الدنيوية، واهتمامه بسماع حديث رسول الله، وملازمته:

  • حيث روى رضي الله عنه- الكثير من الأحاديث في عدد من أبواب الفقه، والعقائد، والمعاملات، والعبادات، والمناقب، والتفسير، والجهاد، والسير، والطلاق، والزواج، والأدب، والدعوات، والرقائق، والذكر، والتسبيح.
  • وكان قد روى الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده ثلاثة آلافٍ وثمانمائةٍ وثمانٍ وأربعين حديثاً لأبي هريرة، وروى الإمام بقي بن مخلد في مسنده خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً له -رضي الله عنه-، وله في الكتب الستة وموطأ الإمام مالك -رحمه الله- ألفان ومئتان وثمانية عشر حديثاً.[٦]
  • ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم ستمائةٍ وتسعة أحاديث، وقد انفرد الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بثلاثة وتسعين حديثاً له، وانفرد مسلم -رحمه الله تعالى- بتسعين ومائة حديث لأبي هريرة، وبناءً عليه يكون لأبي هريرة في كتب السنن الأربعة مع موطأ الإمام مالك قرابة الألف وستمائة وتسعة أحاديث، فيما اتفقوا عليه، أو انفردوا به.[٦]


المراجع

  1. محمد عجاج الخطيب، السنة قبل التدوين، صفحة 412. بتصرّف.
  2. محمد عجاج الخطيب، كتاب أبو هريرة راوية الإسلام، صفحة 68-70. بتصرّف.
  3. ابن منظور، كتاب مختصر تاريخ دمشق، صفحة 180. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6570، حديث صحيح.
  5. ^ أ ب ت محمد عجاج الخطيب، كتاب السنة قبل التدوين، صفحة 420-421. بتصرّف.
  6. ^ أ ب محمد عجاج الخطيب، كتاب أبو هريرة راوية الإسلام، صفحة 137-138. بتصرّف.