مسند عبد الله بن مسعود
بلغ عدد مرويات عبد الله بن مسعود في مسنده ثمانمائة وثمانية وأربعين حديثاً، اتفق الشيخان البخاري ومسلم على إخراج أربعة وستين حديثاً، وانفرد البخاري بواحد وعشرين حديثاً وانفرد مسلم بخمسة وثلاثين حديثاً،[١] وقد جمع الإمام أحمد بن حنبل أحاديث عبد الله بن مسعود في مسنده، فبلغت بالمكرر تسعمائة حديث، وقد عرف -رضي الله عنه- بكثرة روايته للحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان أحد محدثي كبار الصحابة- رضوان الله عليهم- ، حيث يأتي في المرتبة السابعة بين محدثي الصحابة من حيث عدد الأحاديث التي رواها.[٢]
وتمتاز مروياته أن معظمها أخذها مباشرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والقليل منها من بعض الأصحاب، فقد روى عن النبي، وعمر، وسعد بن معاذ، وصفوان بن عسال، وقد كان -رضي الله عنه- يبالغ في التحري عن الحديث، ويخاف التحديث على لسان رسول الله، وكان يلزم نفسه أن يأتي بما قاله -صلى الله عليه وسلم- حرفياً، فكان يختم حديثه بقوله: "أو دون ذاك"، أو "فوق ذاك"، أو "قريباً من ذاك"، أو : شبيهاً بذاك"، وهذا سبب في بيان قلة مروياته مقارنة مع سنين صحبته للنبي -صلى الله عليه وسلم-.[٢]
وقد روى عنه من الصحابة الكثير؛ كأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وابن عمر، وجابر، وأبي موسى الأشعري، والحجاج بن مالك الأسلمي، وابن الزبير، وأبي هريرة، وعمران بن الحصين، وأبي أمامة، وزوجته زينب بنت عبد الله الثقفية، وغيرهم، وكان قد روى عنه من التابعين الكثير أيضاً؛ كعلقمة، والأسود، ويزيد، والمسروق، والربيع، وزيد بن وهب، وشريح القاضي، وغيرهم.[٣]
طرق مرويات عبد الله بن مسعود
نقلت مرويات عبد الله بن مسعود في خمسة طرق، صحّ منها أربعة طرق كاملة، وذكر الطرق الخمسة كما يلي:[٤]
- طريق الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود.
- طريق مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود.
- طريق الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود.
- طريق السّدّى الكبير عن مرة الهمداني عن ابن مسعود.
- طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن مسعود.
فالطرق الثلاثة الأولى اعتمدها الإمام البخاري في صحيحه، وطريق السدي الكبير اعتمده الإمام مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وأما الطريق الخامس فقد حكم عليه العلماء بالانقطاع؛ لأن الضحاك لم يلق ابن مسعود.
نماذج من مرويات عبد الله بن مسعود
تشكّل مرويات عبد الله بن مسعود جميع جوانب الإسلام، فقد روى عن الفرائض والسنن، والحلال والحرام، وفضل القرآن والنبي -عليه السلام-، واليوم الآخر وعلامات الساعات، وآداب المسلم مع ربه ومع غيره، وغير ذلك من الموضوعات، ومن الأحاديث التي رواها:[٥]
- (سَأَلْتُ -أوْ سُئِلَ- رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أكْبَرُ؟ قالَ: أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ. قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ ولَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ معكَ. قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: أنْ تُزَانِيَ بحَلِيلَةِ جَارِكَ. قالَ: ونَزَلَتْ هذِه الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]).[٦]
- (مَن مَاتَ يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ. وقُلتُ أنَا: مَن مَاتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّ).[٧]
- (حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ- قالَ: إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ له: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ، فإنَّ الرَّجُلَ مِنكُم لَيَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ الجَنَّةِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ).[٨]
المراجع
- ↑ أحمد محرم الشيخ ناجي، الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين، صفحة 97. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الستار الشيخ، عبد الله بن مسعود عميد حملة القرآن وكبير فقهاء الإسلام، صفحة 190-193. بتصرّف.
- ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 461-462. بتصرّف.
- ↑ عبد الجواد خلف، مدخل إلى التفسير وعلوم القرآن، صفحة 90-91. بتصرّف.
- ↑ الحارث بن علي الحسني، الجامع المسند الصحيح، صفحة 8-9. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:4761، صحيحة.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:1238، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:3208، صحيح.