الصحابة وتفسير القرآن

إنَّ تفسير القرآن الكريم هو علم من علوم الشريعة، التي تتعلّق بكتاب الله -تبارك وتعالى- وهو مندرجٌ في مباحث علوم القرآن الكريم، وعلمُ التفسير علم عظيم لا يقدر عليه إلا الأفذاذ من العلماء، الذين تمكنوا من علوم الدين وعلوم اللغة العربية، وقد بدأ هذا العلم منذ عهد الصحابة -رضي الله عنهم- عندما دعت الحاجة إلى إفراده بالدراسة والبحث، وذك بسبب انتشار الإسلام في أصقاع الأرض، ودخول الأعاجم فيه، وهم ليسوا كالعرب الذين كانوا يفهمون معاني القرآن الكريم، لفصاحتهم وبلاغتهم، وقُربهم من النبي -صلى الله عليه وسلم- ورؤيتهم وسماعهم له، حيث كان الصحابة يتعلمون من النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن ومعانيه وأحكامه، فيفسّر لهم ما أُشكل عليهم من المعاني، ويبين لهم الآيات كما أمره الله -عز وجل- وقد جاء في الحديث: (عنِ ابن مسعودٍ، قال: كان الرجلُ منا إذا تعلَّم عشرَ آياتٍ لم يجاوزْهنَّ حتى يعرفَ معانيهن والعملَ بهن)،[١] فكانوا علماء بتفسير القرآن وأحكامه.[٢]


من أول من فسّر القرآن من الصحابة؟

اشتهر عشرة من الصحابة -رضي الله عنهم- في تفسير القرآن الكريم، ونقلت عنهم أقوال وآراء كثيرة في التفسير، وهم:[٣]

  • أبو بكر الصديق.
  • عمر بن الخطاب.
  • عثمان بن عفان.
  • علي بن أبي طالب.
  • عبد الله بن مسعود.
  • عبد الله بن عباس.
  • أبي بن كعب.
  • زيد بن ثابت.
  • أبو موسى الأشعري.
  • عبد الله بن الزبير.

ويوجد من الصحابة من فسّر القرآن غير هؤلاء العشرة، كأنس بن مالك، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ولكن ما نُقل عنهم في التفسير قليلٌ جداً، مقارنة بما نُقل عن العشرة.[٤]


أشهر المفسرين من العشرة

علي بن أبي طالب

وقد نُقل عنه الكثير في تفسير القرآن الكريم، ويعود ذلك لعدّة أسباب، منها صحبته الطويلة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وذكاؤه وقوّة فهمه، وتفرّغه من أعباء الخلافة قبل أن تصل إليه، وقد كانت له مكانة عالية في تفسير القرآن الكريم، فقد كان من أعلم الصحابة بأسباب نزول الآيات ومواضعها ومعانيها، وكان مفتياً وقاضياً لا نظير له، وقد شهد له الصحابة بغزارة العلم، ودقّة الفهم، والحكمة، وكانوا يستعينون به فيما يصعب عليهم من المسائل والقضايا، وقد رُويت أقواله في التفسير من ثلاث طرق صحيحة، وهي:[٥]

  • طريق هشام، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني.
  • طريق ابن أبي الحسين، عن أبي الطفيل.
  • طريق الزهري، عن علي زين العابدين، عن أبيه الحسين.


عبد الله بن مسعود

وله شأن عظيم في تفسير القرآن الكريم وعلومه، وقد نُقل عنه أكثر مما نُقل عن علي بن أبي طالب في التفسير، وذلك بسبب ملازمته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وطول صحبته له، وتفرّغه للعلم، ودخوله عليه في أوقات خاصة، وأخذه عنه، وقوة حفظه، قال ابن مسعود: (ثم أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقلتُ: يا رسولَ اللهِ! علِّمْني من هذا الكلامِ، أو من هذا القرآنِ، فمسح رأْسي، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: إنك غلامٌ مُعلَّمٌ. قال: فلقد أخذتُ من فيه سبعين سورةً؛ ما نازعَني فيها بشَرٌ)،[٦] وقال أيضاً: (وَالَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ ما مِن كِتَابِ اللهِ سُورَةٌ إلَّا أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ، وَما مِن آيَةٍ إلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيما أُنْزِلَتْ، ولو أَعْلَمُ أَحَدًا هو أَعْلَمُ بكِتَابِ اللهِ مِنِّي، تَبْلُغُهُ الإبِلُ، لَرَكِبْتُ إلَيْهِ)،[٧] وقد رُويت أقواله في التفسير من ثلاث طرق صحيحة، وهي:[٨]

  • طريق الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق.
  • طريق مجاهد، عن أبي معمر.
  • طريق الأعمش، عن أبي وائل.


عبد الله بن عباس

وله مكانة مرموقة في علوم القرآن وتفسيره، وهو أكثر من نُقل عنه في تفسير القرآن الكريم من الصحابة -رضي الله عنهم- على الرغم من صغر سنه، ويعود ذلك لأسباب منها أخذه العلم عن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وطول عمره، ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له: (اللَّهمَّ فقِّهْه في الدِّينِ وعلِّمْه التَّأويلَ)،[٩] وبسبب كثرة سؤاله، وذكائه وفطنته، فكان من أعلم الصحابة بالقرآن الكريم وتفسيره، حتى قال عنه ابن مسعود: (نِعْمَ التُرجُمانُ للقرآنِ ابنُ عباسٍ)،[١٠] وقد رُويت أقواله في التفسير من ثلاث طرق صحيحة، وهي:[١١]

  • طريق معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة.
  • طريق قيس بن مسلم الكوفيّ، عن عطاء بن السائب، وعن سعيد بن جبير.
  • طريق ابن إسحاق- صاحب السيرة- عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبير.


المراجع

  1. رواه ابن جرير الطبري، في تفسير الطبري، عن شقيق بن سلمة ، الصفحة أو الرقم:44، حديث صحيح.
  2. سعد السعدان (8/11/2007)، "تفسير الصحابة"، مداد، اطّلع عليه بتاريخ 16/7/2021. بتصرّف.
  3. السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، صفحة 233. بتصرّف.
  4. مصطفى البغا، الواضح في علوم القرآن، صفحة 219. بتصرّف.
  5. مصطفى البغا، الواضح في علونم القرآن، صفحة 220. بتصرّف.
  6. رواه الألباني، في صحيح الموارد، عن عبد الله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم:1804، حديث حسن صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2463 ، حديث صحيح.
  8. مصطفى البغا، الواضح في علوم القرآن، صفحة 224. بتصرّف.
  9. رواه الوادعي، في صحيح دلائل النبوة، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:245، حديث صحيح على شرط مسلم.
  10. رواه ابن كثير، في تفسير القرآن، عن مسروق بن الأجدع، الصفحة أو الرقم:13، حديث إسناده صحيح.
  11. مصطفى البغا، الواضح في علوم القرآن، صفحة 227-228. بتصرّف.