من هي نسيبة بنت كعب؟


نسبها ووالداها

هي الصحابية الجليلة نَسِيْبة (بفتح النون وكسر السين) بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غُنم من بني مازن بن النجار، المشهورة بكنية أم عُمارة، وأمها الرباب بنت عبد الله بن حبيب بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن عضب بن جشم بن الخزرج، فأم عمارة مازنية أنصارية خزرجية مدنية، تنتمي إلى قبيلة الخزرج في المدينة المنورة من بني النجار، التي شهد لها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخير؛ فهي من أسرةٍ عريقةٍ ونسبٍ رفيعٍ.[١][٢]


زوجها وأولادها وإخوتها

تزوجت -رضي الله عنها- قبل الإسلام بزيد بن عاصم بن كعب بن منذر بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غُنم بن مازن بن النجار الأنصاري، وكان يكنى بأبي الحسن، وقد شهد بيعة العقبة وغزوة بدر وأحد، وأنجبت منه حبيباً وعبد الله،[٣] وقد تزوجت بعد زوجها زيد -رضي الله عنه- بغزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غُنم بن مازن بن النجار الأنصاري وأنجبت منه تميماً وضمرة وخولة، ويعد أولادها من فضلاء الصحابة، حيث ربّتهم أم عمارة على الجهاد، وطلب الشهادة في سبيل الله.[٤][١]


وإخوتها هم: عبد الله بن كعب المازني، وهو شقيقها من أمها وأبيها، وهو من أهل بدر؛ حيث شهد بدراً وأحداً والخندق، وبقية المشاهد مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وأخوها الثاني عبد الرحمن بن كعب المازني المكنّى بأبي ليلى المازني الأنصاري،[٥] وهو شقيق أم عمارة من جهة الأم، وشهد أحداً والخندق وبقية المشاهد، وكان أحد الذين لم يستطيعوا المسير إلى غزوة تبوك للقاء الروم بسبب قلة الزاد والراحلة، فوصفه أصحاب كتب التراجم بأنه أحد البكائين، حيث قال -تعالى- فيه وفي من كان مثله: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ).[٦][٧]


إسلام أم عمارة ومبايعتها وحضورها المشاهد

كانت -رضي الله عنها- من أوائل الأنصار إسلاماً، إذ إنها لمّا سمعت بالدين الإسلامي، ووصل إلى بيوت المدينة المنورة أسرعت إلى التعرف على هذا الدين الجديد، وبادرت في الدخول إلى الإسلام، كما وشهدت -رضي الله عنها العديد من المشاهد؛ كبيعة العقبة، والرضوان، وصلح الحديبة، وعمرة القضاء، وغيرها من المشاهد.[٨]


بيعة العقبة الثانية

كانت -رضي الله عنها- ممن حضر بيعة العقبة الثانية، فكانت إحدى الامرأتين اللتين حضرتا بيعة العقبة مع وفد الأنصار الذين قدموا من المدينة، حيث بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- على النصرة والمنعة، والسمع والطاعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنفقة في العسر واليسر، وألا تأخذهم في الله لومة لائم.[٩]


بيعة الرضوان

كانت -رضي الله عنها - ممن حضر بيعة الرضوان تحت الشجرة، حيث خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- والمسلمون إلى مكة المكرة لأداء العمرة، ومنعت قريش ذلك، وكان المسلمون على جاهزية عالية للقتال، ومن بينهم أم عمارة، حيث شدّت السكين في وسطها لتقاتل المشركين، وكان -عليه الصلاة والسلام- بايع المسلمين على عدم الفرار وقتها، وكانت أم عمارة من ضمنهم، فنالت شرف هذه البيعة، حيث نزل فيهم قول الله -تعالى-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا).[١٠][١١]


صلح الحديبية

شهدت -رضي الله عنها- الاتفاق الذي حصل بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وقريش بعد حادثة بيعة الرضوان، وهو ما يعرف بصلح الحديبية، وما حصل بعد ذلك عندما تحلّل -عليه الصلاة والسلام- والمسلمون من إحرامهم، وحلقهم لشعر رؤوسهم ونحرهم الهدي، كما قامت هي بتقصير شعرها؛ لتتحلل من إحرامها، وكانت قد روت بعض الأحداث التي حصلت وقتها.[٨]


صبر أم عمارة وتضحيتها

ضحّت -رضي الله عنه- بابنها حبيب -رضي الله عنه- وصبرت على مقتله، حيث قالت عندما قُتل: "لِمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته"، فقد اختار -عليه الصلاة والسلام- حبيب بن زيد ابن أم عمارة -رضي الله عنهم- رسولاً إلى مسيلمة الكذاب، وأرسله بخطابٍ إليه، فعندما قرأ مسيلمة الخطاب غضب غضباً شديداً، وقال له: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟"، قال حبيب: "نعم، أشهد أنْ لا إله إلا الله"، فقال مسيلمة: "أتشهد أنّ محمدًا رسول الله؟"، قال حبيب: "نعم، أشهد أن محمدًا رسول الله"، فقال مسيلمة: "أتشهد أني رسول الله؟"، قال حبيب: "لا أسمع، إن في أذني صمماً مما تقول"، وكرّرها مراراً، فقام مسيلمة بتقطيع جسد حبيب عضواً عضواً، وجزءاً جزءاً، حتى قتل شهيداً -رضي الله عنه-.[١٢]


جهاد أم عمارة

كانت -رضي الله عنها- تشهد المعارك والغزوات مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد كانت محبة للتضحية في سبيل الله، مستعدة للبذل والعطاء لخدمة الإسلام دون تردد، فشهدت أحداً، وبني قريظة، وخيبر، وحنين، والحديبية، واليمامة، وغيره، وآتياً بيان أبرز صور جهادها في الغزوات والمعارك:[١٣]


غزوة أحد

إن غزوة أحد هي أولى الغزوات التي شاركت فيها النساء، فشارك فيها أم المؤمنين عائشة، وأم عمارة، وأم سليم، وحمنة بنت جحش، والربيع بنت معوذ، وغيرهم، وكان الهدف من مشاركتهنّ في هذه الغزوة هي المساعدة في تضميد الجرحى ونقلهم، وسقي المحاربين ومواساة المصابين، إلا أن أم عمارة هي الوحيدة التي شاركت في القتال وحملت السيف في الدفاع عن رسول الله.[١٤][١٥]


فقد أبلت بلاء حسناً فيها، وكانت هي وزوجها وولداها من الذين ثبتوا مع رسول الله، ودافعوا عنه حتى إنها أصيبت بثلاثة عشر جرحاً من بين طعنة رمح وضربة سيف، حيث إنه لما تغيرت مجريات المعركة لصالح المشركين بنزول الرماة من الجبل، وانحاز المقاتلون عن رسول الله، ولم يبق إلا قليل في القتال، قاتلت هي وزوجها وولداها، وقاموا بالدفاع عن رسول الله وحمايته، وصدّ هجمات المشركين وتلقي ضرباتهم، وأصيب ابنها أثناء ذلك فضمدته وأمرته بمتابعة القتال، وكانت -رضي الله عنها- قد واجهت ابن قميئة الذي أصرّ على قتل رسول الله، حيث ضربها على كتفها وشقّه، وكانت أعظم جراحها، فبقيت تداويه مدة سنة كاملة.[١٤][١٥]


وعندما نادى المنادي بعد ذلك في حمراء الأسد للخروج خلف قريش؛ إرهاباً لهم، وإشعاراً أن ما حدث يوم أحد لم يضعفهم، كانت -رضي الله عنها- على أتم الاستعداد للمواجهة والقتال، فشدّت عليها ثيابها، إلا أنها لم تقدر على الاستمرار لكثرة جراحها ونزف دمها، فمنعها ذلك من الخروج معهم، وغير ذلك من المواقف البطولية التي قامت لها في غزوة أحد التي تدل على بسالتها وشجاعتها، واستعدادها للقتال، وبعد رجوع رسول الله من حمراء الأسد أرسل إليها شقيقها عبد الله ليسأل عنها ويتعرف عن حالها، ويطمئن عنها.[١٤][١٥]


معركة اليمامة

استأذنت -رضي الله عنها- خليفة رسول الله أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أن تشارك في معركة اليمامة ضد مسيلمة، فأذن لها، وكانت بقيادة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- حيث أوصى خالداً بها، فخرجت -رضي الله عنها- مع ابنها عبد الله، فقاتلت قتال الأبطال، وجاهدت أعظم جهاد، وقد أصيبت باثني عشر جرحاً وقطعت يدها، وقد انتصر المسلمون في هذه المعركة وقُتل مسيلمة، وكانت اليمامة هي آخر معركة شاركت فيها أم عمارة، وعادت منها بعد أن نالت شرف المشاركة في الجهاد، والقضاء على مسيلمة، والانتقام لابنها حبيب، وكان قد جاءها خالد بن الوليد بطبيبٍ لمداواة يدها التي قطعت، وكان أبو بكر يأتيها ويسأل عنها.[١٢][١٦]


وفاة أم عمارة

توفيت -رضي الله عنها- بعد أعوام مليئة بالتضحيات، حافلة بالجهاد، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنها- في العام الثالث عشر من الهجرة، وكانت جدة ضمرة بن سعيد المازني قد حضرت وفاتها وشهدت غسلها، وعدّت جراحها التي على جسدها، وكان أبلغها الجرح الذي أحدثه ابن قميئة، كما تمّ بيانه، ودفنت في البقيع -رضي الله عنها وأرضاها-.[١٧]


المراجع

  1. ^ أ ب ابن سعد، الطبقات الكبرى، صفحة 303. بتصرّف.
  2. أمينة عمر الخراط، أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية المجاهدة، صفحة 21-24. بتصرّف.
  3. ابن كثير، التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل، صفحة 347. بتصرّف.
  4. أمينة عمر الخراط، أم عمارة نسيبة بن كعب الصحابية المجاهدة، صفحة 30-39. بتصرّف.
  5. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 515. بتصرّف.
  6. سورة التوبة، آية:92
  7. أمينة عمر الخراط، أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية المجاهدة، صفحة 28-30. بتصرّف.
  8. ^ أ ب أمينة عمر الخراط، أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية المجاهدة، صفحة 43-58. بتصرّف.
  9. الزركلي، الأعلام، صفحة 19. بتصرّف.
  10. سورة الفتح، آية:18
  11. ابن عبد البرّ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 1948. بتصرّف.
  12. ^ أ ب "أم عمارة نسيبة بنت كعب"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2022. بتصرّف.
  13. "المجاهدة الصابرة: نسيبة بنت كعب المازنية"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2022. بتصرّف.
  14. ^ أ ب ت سيد حسن العفاني، دروس الشيخ سيد حسن العفاني، صفحة 21. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت "أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2022. بتصرّف.
  16. أمينة عمر الخراط، أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية المجاهدة أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية المجاهدة، صفحة 92-98. بتصرّف.
  17. أمينة عمر الخراط، أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية المجاهدة، صفحة 107-108. بتصرّف.