تأليف القلوب في الإسلام
لقد حرص الإسلام على تأليف قلوب الناس، واستمالتهم إلى الإسلام، بالخير والإحسان، وكانت الدعوة الإسلامية دعوة برٍّ ومعروف، تقوم على مبادئ أخلاقية سامية، ففي الآية الكريمة، قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}،[١] كما قال الله -تعالى-، في الدخول إلى الإسلام أنَّه لا يكون إلا باختيار الشخص وحريته، وإيمانه وتصديقه، لا بإجباره وتهديده، قال -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}،[٢] وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتمثّل منهج القرآن الكريم في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- ومن الحكمة التي كان يستخدمها في دعوته، تأليفه لقلوب بعض الناس بالمال، وخصوصاً زعماءهم، الذين يُرجى بإسلامهم إسلام عدد كبير خلفهم، الذين يكون في قلوبهم شك في الإسلام وخوف منه، فيعطيهم المال ليقوي الإيمان في قلوبهم، جاء في الحديث: (ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ شيئًا إلَّا أَعْطَاهُ، قالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فأعْطَاهُ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: يا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فإنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ).[٣][٤]
من هم المؤلفة قلوبهم؟
هم صنف من أصناف مصارف الزكاة الثمانية الذين ذكرهم الله -تعالى- في القرآن الكريم في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}،[٥] واختُلف فيهم، فقيل هم جماعة من الأعراب وغيرهم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤلف قلوبهم بالعطية كي يُسلموا، وقيل هم الذين أسلموا من اليهود والنصارى وإن كانوا أغنياء، وقيل هم جماعةٌ أسلموا وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يَقسم لهم من الزكاة، وقيل هم قومٌ من أعداء الإسلام كانوا يُعطون من أجل كفِّ شرهم عن المسلمين، وقيل هم زعماء القبائل المُطاعون في أقوامهم الذين كانوا يُعطون من الزكاة لاستمالتهم إلى الإسلام، وتأليف قلوبهم، وقيل هم الذين أسلموا بعد الفتح وكان في إسلامهم ضعف، فأعطاهم ليقوي إيمانهم،[٦] وقد جاء في الحديث عن صفوان بن أمية -رضي الله عنه-: (لقد أعطاني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ حُنينٍ وإنَّه لَمِن أبغضِ النَّاسِ إليَّ فما زال يُعطيني حتَّى إنَّه لَأحبُّ الخَلقِ إليَّ).[٧][٨]
كم عدد الصحابة المؤلفة قلوبهم؟
كان عدد المؤلفة قلوبهم في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحداً وثلاثين شخصاً من سادات القبائل، وقد توقف إعطاؤهم من أموال الزكاة بأعيانهم في زمن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وقيل في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وذلك لاستغناء الإسلام عنهم بعد قوته وانتشاره، وورد في الحديث الصحيح ذكر أسماء أربعة منهم، جاء في الحديث: (كان المُؤلَّفةُ قُلوبُهم على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أربعةً: عَلقَمةُ بنُ عُلاثةَ الجَعفَريُّ، والأقرَعُ بنُ حابسٍ الحَنْظَليُّ، وزَيدُ الخَيلِ الطَّائيُّ، وعُيَيْنةُ بنُ بَدرٍ الفَزاريُّ، قال: فقدِم عليٌّ بذَهَبةٍ منَ اليَمَنِ بتُرْبَتِها، "فقسَمها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَهم").[٩][١٠]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:256
- ↑ سورة النحل، آية:125
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2312، حديث صحيح.
- ↑ د. عمر الأشقر، " تأليف القلوب على الإسلام بأموال الصدقات"، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 19/7/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية:60
- ↑ الموسوعة الحديثية، "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 19/7/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن صفوان بن أمية، الصفحة أو الرقم:4828، حديث صحيح.
- ↑ الثعلبي، تفسير الثعلبي الكشف والبيان عن تفسير القرآن، صفحة 58. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط ، في تخريج المسند، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:11267، حديث صحيح.
- ↑ سعدي أبو جيب، القاموس الفقهي، صفحة 22. بتصرّف.