من هو أبو عبيدة بن الجراح؟

أبو عبيدة بن الجراح ونسبه

هو الصحابي عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشيّ، وأمه هي أميمة بنت غنم بن جابر، ويلتقي -رضي الله عنه- مع والدته في النسب عند الحارث بن فهر، فهي من بنات عمّ والده، وقد أدركت -رضي الله عنها- الإسلام فأسلمت، اشتُهر -رضي الله عنه- بكنيته أكثر من اسمه، وقد نُسِب -رضي الله عنه- إلى جده وليس إلى أبيه فقد كان ذلك عُرفاً، وقد كان -رضي الله عنه- من السابقين في الدخول إلى الإسلام، فقد دخل الإسلام قبل اجتماع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مع أصحابه في دار الأرقم، وقد أطلق عليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لقب أمين الأمة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هذِه الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ).^[١][٢][٣]

أسرة أبو عبيدة بن الجراح

لم يذكر أهل السير الكثير عن أسرة أبو عبيدة -رضي الله عنه- أو عن حياته الخاصة بالعموم، ولا سيّما قبل إسلامه -رضي الله عنه-، على الرغم من أنّه قرشيّاً، وفي ذلك إشارة إلى أنَّ حياته -رضي الله عنه- الحقيقية بدأت مع إسلامه،^[٤] وقد ذُكر أنَّه كان له زوجة اسمها هند بنت جابر بن وهب بن ضِباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي فدرج، وقد أنجب منها كلاً من: يزيد بن عامر، وعمير بن عامر، ويُذكر أنّ مصعب الزبيري قال مرة: "وقد انقرض ولد أبي عبيدة بن الجراح وإخوته"، وقيل أنَّ أبوه عبد الله بن الجرّاح توفي قبل الإسلام.^[٥]

مناقب أبو عبيدة بن الجراح

عُرِف عن الصحابي عامر بن الجراح -رضي الله عنه- العديد من الفضائل والمناقب، وفيما يأتي ذكر بعضها:^[٦]

• إشهار رسول الله بحبه له: فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها سُئلت: (قلتُ لعائشة: أيُّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ أحبَّ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ؟ قالت: أبو بكرٍ قلتُ: ثمَّ من؟ قالت: عمرَ. قلت: ثمَّ من؟ قالت: أبو عبيدةَ. قلت: ثمَّ من فسكتَت)،^[٧] وفي هذا الحديث ثناء من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لأبي عبيدة -رضي الله عنه-، حيث قرن اسمه مع اسم كلٍ من أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
• مدح القرآن الكريم له، والثناء الله تعالى عليه: حيث ذكر المفسرون أنّ قول الله تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ}،^[٨] يُقصد به الصحابي أبو عبيدة -رضي الله عنه-، حيث قتل والده في غزوة بدرٍ وقد كان كافراً حينها.
• ثناء معاذ بن جبل عليه: فقد قال فيه -رضي الله عنهما-: "إنَّه والله؛ لمن خيرة من يمشي على وجه الأرض".

منزلة أبو عبيدة بن الجراح

كان لأبي عبيدة -رضي الله عنه- منزلة رفيعة في الإسلام، فقد شهد له رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّه من العشرة المبشرين بالجنّة، وقد شارك يوم بدرٍ وما بعدها، وقد ثبت عنه -رضي الله عنه- أنَّه هو من انتزع حلقتي المغفر من وجه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حتى سقطت ثنيتاه، وقد هاجر -رضي الله عنه- الهجرتين، وكان ممن شارك في غزوة أحدٍ وثبت مع النبيّ -عليه الصلاة والسلام-،^[٩] وكان أبو عبيدة -رضي الله عنه- من الصحابة الذين رووا الحديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد روى عنه كلّ من: العرباض بن سارية، وأبو أمامة، وأبو ثعلبة، وسمرة.^[١٠]

صفات أبو عبيدة بن الجراح الخَلقية

كان للصحابي الجليل أبو عبيدة -رضي الله عنه- العديد من الصفات الخَلقية التي ميّزته عمن سواه من الرجال، وفيما يأتي ذكر بعضها:^[٢]

• ظهور العروق في وجهه وجبينه.
• طويل القامة.
• نحيل الجسد.
• خفيف اللحية.
• رفيع العارضين.
• أثرم الثنيتين.

صفات أبو عبيدة بن الجراح الخُلقية

كان الصحابي أبو عبيدة -رضي الله عنه- معروفاً بالأخلاق الحميدة والصفات النبيلة، فقد كان يمتاز بعدد من الأخلاق الحميدة التي لا تُعدّ ولا تُحصى، وفيما يأتي ذكر بعضها:

أبو عبيدة بن الجراح القائد الأمين

فقد كان -رضي الله عنه- من ملامح شخصيته وصفاته الخُلقية القيادة الأمينة، وهذا ما شهد عليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فقد روى حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- فقال: (جاءَ العاقِبُ والسَّيِّدُ صاحِبا نَجْرانَ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يُرِيدانِ أنْ يُلاعِناهُ، قالَ: فقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: لا تَفْعَلْ؛ فَواللَّهِ لَئِنْ كانَ نَبِيًّا فَلاعَنَّا، لا نُفْلِحُ نَحْنُ ولا عَقِبُنا مِن بَعْدِنا، قالا: إنَّا نُعْطِيكَ ما سَأَلْتَنا، وابْعَثْ معنا رَجُلًا أمِينًا، ولا تَبْعَثْ معنا إلَّا أمِينًا، فقالَ: لَأَبْعَثَنَّ معكُمْ رَجُلًا أمِينًا حَقَّ أمِينٍ، فاسْتَشْرَفَ له أصْحابُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: قُمْ يا أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ، فَلَمَّا قامَ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذا أمِينُ هذِه الأُمَّةِ).^[١١][٦]

أبو عبيدة بن الجراح الزاهد في الدنيا

يُروى أنَّ عمر -رضي الله عنه- جاء إلى الشام، فسأل عن أبي عبيدة -رضي الله عنه- أين يجده، وعندما جاء أبو عبيدة جاء على ناقة مخطومة بحبل، وسارا معاً إلى منزل أبي عبيدة، وعندما دخلا المنزل؛ لم يجد عمر -رضي الله عنه- في المنزل شيئاً سوى رحلاً وسيفاً وترساً، فطلب منه عمر أن يتخذ في بيته متاعاً، فأجابه أبو عبيدة -رضي الله عنه-: "يا أمير المؤمنين؛ إنّ هذا سيبلغنا المقيل".^[١٢]

أبو عبيدة بن الجراح الورع التقي

عندما نزل الطاعون في بلاد الشام، وكان فيها أبو عبيدة -رضي الله عنه-، فعندما علِم بذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ كتب إلى أبي عبيدة يطلب منه القدوم إليه لحاجته له، وكان يريد من ذلك حمايته من الطاعون والموت، فلمّا وصل الكتاب إلى أبي عبيدة وقرأه، فهم المغزى منه، فأرسل إلى عمر رداً قال فيه: "إنّي قد عرفت حاجتك فحللني من عزيمتك، فإنّي في جند من جنود المسلمين، ولم أرغب بنفسي عنهم"، فبكى عمر -رضي الله عنه- عندما قرأ كتاب أبو عبيدة -رضي الله عنهما-.^[١٣]

أبو عبيدة بن الجراح المتواضع

حيث روي عن ثابت بن البناني -رضي الله عنه- أنّه قال: "يا أيها الناس! إني امرؤ من قريش، وما منكم من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى إلا وددت أني في مسلاخه".^[١٣]

وفاة أبو عبيدة بن الجراح

يذكر أهل العلم أنَّ الصحابي أبو عبيدة -رضي الله عنه- توفي في السنة الثامنة عشر للهجرة، وقيل في السنة السابعة عشر للهجرة، وكان عمره -رضي الله عنه- آنذاك ثمان وخمسون سنة،^[١٤] وكان سبب وفاته -رضي الله عنه- هو طاعون، كان قد انتشر في قرية تسمى عمواس وقد سمي الطاعون باسمها؛ طاعون عمواس، وعمواس قرية تقع بالقرب من الرملة في بلاد الشام.^[١٥]