الصحابي عبد الله بن عباس

هو أبو العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، فهو ابن عم النبي -صلى الله عليه سلم- ولد في شِعب بني هاشم، قبل الهجرة بثلاث سنوات، وكان شاباً صغيراً عندما توفي النبي -صلّى الله عليه وسلم- ومع ذلك فقد حوى علماً واسعاً غزيراً، جعَلهُ من أكابر الصحابة وفضلائهم، وعلمائهم الذين يعود الناس إليهم في الفتوى ويأخذون منهم الدين، فقد كان إماماً بارعاً في الفقه والتفسير، وفي غيرهما من العلوم، وحاز عدداً من الألقاب العظيمة التي أطلقها الصحابة عليه لسعة علمه ووفرته، وما كان ذلك إلا بسبب اجتهاده في طلب العلم منذ الصغر، وذكائه وفطنته، وقُربه من النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ودعاءِ النبي -صلى الله عليه وسلم- له، حيث دعا: (اللهمَّ فَقِّهْه في الدِّينِ، وعلِّمْه التأويل)،[١] وجاء في حديث آخر رواه عبد الله بن عباس: (دعا لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُؤتِيَني اللهُ الحكمةَ مرَّتَيْنِ).[٢][٣]


ألقاب عبد الله بن عباس

لقد أطلقت على عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- ألقاب متعددة، تدل على غزارة علمه وقوة فهمه، وحكمته ورأيه السديد، منها:[٤]

حبر الأمة

الحبر معناه العالم، فهو عالم الأمة الذي يعترف الجميع بفضله، وينتفعون بعلمه، ويرجعون إليه في الملمات.


ترجمان القرآن

سمّي بذلك لأنَّه كان أعلم الناس بتفسير القرآن الكريم في زمانه، فكأنَّه يترجم معاني الآيات ويوضحها للناس، عن ابنِ مسعودٍ قال: (نِعمَ التَّرْجُمانِ للقرآنِ ابنُ عباسٍ).[٥]


البحر

سمّي بذك لكثرة علمه وإحاطته بالكثير من المسائل، ولعمق فهمه واستنباطه لدقائق الأمور التي لا يعلمها إلا القليل.


فتى الكهول

أُطلق عليه هذا اللقب لأنَّه كان يتمتع بحكمة نادرة كحكمة الشيوخ وهو فتى صغير، وكان أصغر الجلساء سناً وأعظمهم عقلاً.


التربية النبوية الخاصة لعبد الله بن عباس

لقد نال عبد الله بن عباس تربية خاصة من النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالقول وبالفعل، فتارة يكون راكباً خلف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على ظهر دابته فيقول له مربياً ومعلماً: (يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ)،[٦] وتارة يرسله أبوه لينام في بيت النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عند خالته ميمونة، ليشاهد فعل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ويتعلم منه، فيحفظ ذلك ويرويه فيقول: (بِتُّ في بَيْتِ خَالَتي مَيْمُونَةَ فَصَلَّى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ، فَصَلَّى أرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَجِئْتُ، فَقُمْتُ عن يَسَارِهِ فَجَعَلَنِي عن يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ - أوْ قالَ: خَطِيطَهُ - ثُمَّ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ).[٧][٤]


مكانة عبد الله بن عباس بين الصحابة

كانت لعبد الله بن عباس مكانة مرموقة بين الصحابة على الرغم من صغر سنه، فقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حريصاً على أن يكون عبد الله بن عباس حاضراً في مجلسه الذي يضم كبار الصحابة وشيوخهم، وذلك لما يعلمه من سعة علمه وذكائه وقدرته على الغوص في المسائل وإبداء الرأي الصحيح فيها، فكان بمثابة المفتي والمستشار الذي لا يرد قوله في زمن عمر وعثمان، يقول ابن عباس: (كانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مع أشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأنَّ بَعْضَهُمْ وجَدَ في نَفْسِهِ، فَقالَ: لِمَ تُدْخِلُ هذا معنَا ولَنَا أبْنَاءٌ مِثْلُهُ، فَقالَ عُمَرُ: إنَّه مَن قدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَومٍ فأدْخَلَهُ معهُمْ، فَما رُئِيتُ أنَّه دَعَانِي يَومَئذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ، قالَ: ما تَقُولونَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ}؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أنْ نَحْمَدَ اللَّهَ ونَسْتَغْفِرَهُ إذَا نُصِرْنَا، وفُتِحَ عَلَيْنَا، وسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شيئًا، فَقالَ لِي: أكَذَاكَ تَقُولُ يا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلتُ: لَا، قالَ: فَما تَقُولُ؟ قُلتُ: هو أجَلُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعْلَمَهُ له، قالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ} وذلكَ عَلَامَةُ أجَلِكَ، {فَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ إنَّه كانَ تَوَّابًا}، فَقالَ عُمَرُ: ما أعْلَمُ منها إلَّا ما تَقُولُ).[٨][٩]


صفات عبد الله بن عباس

تميز عبد الله بن عباس بصفات وخصائص لم تتوفر في غيره، ما جعله شخصاً محبوباً ومبجلاً لدى الجميع، ورجلاً عظيماً من رجال الإسلام، منها:[١٠][٤][١١]

  • النسب الشريف بين الناس، فهو ابن عم -النبي صلّى الله عليه وسلّم-، وخالته ميمونة أم المؤمنين.
  • الذكاء الشديد والهمة العالية في طلب العلم، فعندما سأل كيف حاز هذا العلم كله قال: "بلسانٍ سؤول، وقلبٍ عقول".
  • الحرص على اتباع السنة النبوية، ومن ذلك نهيه لمعاويةَ أن يستلم كل أركان الكعبة في طوافه، اقتداء بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنته.
  • الحفظ القوي، فقد كان من أكثر الصحابة رواية للأحاديث النبوية، فقد روى ألفاً وستمئةٍ وستين حديثاً تقريباً.
  • الفهم العميق، قال طلحة بن عبيدالله: "لقد أعطي ابن عباس فهمًا ولقنًا وعلمًا، ما كنتُ أرى عمرَ يقدِّم عليه أحدًا".
  • التعظيم لحرمات الله، قال القاسم بن محمد: "ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلًا قط".
  • الفصاحة والبلاغة، فقد كان أفصح الناس حديثاً، وأبلغهم معنىً.
  • رقة القلب والخشوع والخشية من الله، فقد كان يقوم الليل ويكثر فيه من البكاء.
  • الوسامة والجمال، والمظهر الحسن، قال عطاء: "ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس".
  • الحلم والأناة والأخلاق الفاضلة، والقول الحسن والنصح الجميل وطيب السريرة وحب الخير، فقد روي أن رجلاً شتمه فقال له: "إِنَّكَ لَتَشْتُمُنِي وَفِيَّ ثَلَاثُ خِصَالٍ: إِنِّي لَآتِي عَلَى الْآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَوَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ عَلِمُوا مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَعْلَمُ، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَقْضِي بِالْعَدْلِ، فَأَفْرَحُ بِهِ، وَلَعَلِّي لَا أُقَاضِي إِلَيْهِ أَبَدًا، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ يُصِيبُ الْأَرْضَ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ بِهِ، وَمَا لِي بِهَا مِنْ سَائِمَةٍ أَبَدًا".
  • التواضع والإنصات والتماس النفع، فقد كان يقول: "خذ الحكمة ممَّن سمعتَ؛ فإنَّ الرجل يتكلم بالحكمة وليس بحكيم فتكون كالرَّمِيَّة خرجت من غير رام".
  • الصبر على البلاء والحرص على العبادة، فقد أصيب بالعمى في آخر عمره، فصبر ورفض التداوي لأنه سيؤدّي إلى عدم قدرته على الصلاة لبضعة أيام فقط، ومن جميل ما قيل من الشعر في ذلك عنه: [١١]

إِنْ يَأْخُذِ اللهُ  مِنْ عَيْنَيَّ  نُورَهُمَا        فَفِي لِسَانِي وَسَمْعِي  مِنْهُمَا  نُورُ

قَلْبِي ذَكِيٌّ وَعَقْلِي غَيْرُ ذِي دَخَلٍ        وَفِي فَمِي صَارِمٌ كَالسَّيْفِ  مَأْثُورُ


أقوال عبد الله بن عباس

لعبد الله بن عباس أقوال عظيمة وآثار جليلة، وكلمات تكتب بماء الذهب، منها:[١١]

  • "أُوصِيكَ بِتَوحِيدِ اللهِ، وَالعَمَلِ لَهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّ كُلَّ خَيرٍ أَنتَ آتِيهِ بَعدَ ذَلِكَ مَقبُولٌ، وَإِلَى اللهِ مَرفُوعٌ، إِنَّكَ لَن تَزدَادَ مِن يَومِكَ إِلَّا قُربًا، فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَأَصبِحْ فِي الدُّنيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ مُسَافِرٌ فَإِنَّكَ مِن أَهلِ القُبُورِ، وَابكِ عَلَى ذَنبِكَ، وَتُبْ مِن خَطِيئَتِكَ، وَلتَكُنِ الدُّنيَا أَهوَنَ عَلَيكَ مِن شِسْعِ نَعلِكَ، وَكَأَن قَد فَارَقْتَهَا وَصَدَرْتَ إِلَى عَدْلِ اللهِ، وَلَن تَنتَفِعَ بِمَا خَلَّفْتَ، وَلَن يَنفَعَكَ إِلَّا عَمَلُكَ".
  • "لا تَكَلَّمَنَّ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ حَتَّى تَرَى لَهُ مَوْضِعًا، وَلاَ تُمَارِيَنَّ سَفِيهًا، وَلَا حَلِيمًا فَإِنَّ الْحَلِيمَ يَغْلِبُكَ، وَالسَّفِيهَ يَزْدَرِيكَ، وَلَا تَذْكُرَنَّ أَخَاكَ إِذَا تَوَارَى عَنْكَ إِلَّا بِمِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيكَ إِذَا تَوَارَيْتَ عَنْهُ، وَاعْمَلْ عَمَلَ رَجُلٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَجْزِيٌّ بِالْإِحْسَانِ، مَأْخُوذٌ بِالْإِجْرَامِ".
  • "تَمَامُ الْمَعْرُوفِ تَعْجِيلُهُ وَتَصْغِيرُهُ وَسَتْرُهُ، يَعْنِي: أَنْ تُعَجِّلَ الْعَطِيَّةَ لِلْمُعْطَى، وَأَنْ تَصْغُرَ فِي عَيْنِ الْمُعْطِي، وَأَنْ تَسَتُرَهَا عَنِ النَّاسِ فَلَا تُظْهِرُهَا؛ فَإِنَّ فِي إِظْهَارِهَا فَتْحَ بَابِ الرِّيَاءِ، وَكَسْرَ قَلْبِ الْمُعْطَى، وَاسْتِحْيَاءَهُ مِنَ النَّاسِ".



مواضيع أخرى:

لقب أطلق على الصحابي عبد الله بن عباس

الاجتهاد في عصر صغار الصحابة


المراجع

  1. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2589، حديث صحيح.
  2. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3823، حديث صحيح.
  3. سير أعلام النبلاء، "عبد الله بن عباس البحر"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 20/4/2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت قصة الإسلام (1/5/2006)، "عبد الله بن عباس .. حَبر الأمة وترجمان القرآن"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 20/4/2021. بتصرّف.
  5. رواه ابن تيمية، في مجموع الفتاوى، عن مسروق بن الأجدع، الصفحة أو الرقم:365، حديث إسناده صحيح.
  6. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2516، حديث صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:697، حديث صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4970، حديث صحيح.
  9. رقم الفتوى: 71961 (22/6/2006)، "عبد الله بن عباس ترجمان القرآن."، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 20/4/2021. بتصرّف.
  10. رضا جمال (31/7/2019)، "حبر الأمة ابن عباس"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 20/4/2021. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت أمين الشقاوي (3/2/2015)، "مقتطفات من سيرة ترجمان القرآن عبدالله بن عباس"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 20/4/2021. بتصرّف.