الرسول المُرَبِّي
بعث الله -تعالى- رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- مُرَبِّيَاً ومعلماً، قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}،[١] فَرَبَّى الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَهُ الكرام أعظم تربية، وعلَّمَهُم مكارم الأخلاق، وأحكام الدين، فكان خيرَ مُرَبٍّ وخير معلم، وكان رؤوفاً رحيماً بهم، عطوفاً عليهم، هيّناً ليّناً معهم، يُجيبهم عن كل ما يسألون، ولا يضيق صدره منهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا)،[٢] فكان أسلوبه في تربيتهم وتعليمهم أسلوباً نبوياً فريداً، فكان يُعلمهم بلطف، ويُربيهم برفق، ويوضح لهم الأمور بكل بساطة وهدوء، جاء في الحديث: (فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ).[٣][٤]
تربية الصحابة في المرحلة المكية
المرحلة المكيّة هي المرحلة التي عاش فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في مكة ومكثوا فيها قبل هجرتهم إلى المدينة، وقد امتدت هذه المرحلة قرابة ثلاثة عشر عاماً، وكانت مرحلةً قاسيةً تعرّض فيها المسلمون للإيذاء والتعذيب، بهدف ثنيهم عن دينهم وإرجاعهم إلى الكفر بعد الإيمان، لكنَّهم صبروا وثبتوا بفضل الله ثم بفضل تربية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإعداده لهم خير إعداد، وكانت التربية النبوية للصحابة في هذه المرحلة ترتكز على ثلاثة محاور، هي:[٥]
ترسيخ العقيدة الصحيحة
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحرص في المقام الأول على ترسيخ العقيدة الإسلامية في قلوب الصحابة وعقولهم، وتعزيز الجانب الروحيّ والإيمانيّ لديهم، من خلال زرع الإيمان في نفوسهم، وتعريفهم بأركانه، وتقريبهم من الله -عز وجل- ومحبته والخوف منه، من خلال معرفة أسمائه وصفاته، وعظمته وقدرته، ورحمته وكرمه، ومغفرته وغضبه، فالهدف الأساسيّ للدعوة الإسلامية في المرحلة المكيّة كان هدمَ العقيدة الفاسدة التي كان العرب يدينون بها، من شركٍ بالله وعبادةٍ للأصنام، وبناء العقيدة الصحيحة التي تقوم على الإيمان بالله وحده، ووجوب إفراده بالعبادة، وعدم الإشراك به، وقد نزلت في المرحلة المكيّة السور التي تتحدث عن الله -تعالى- ووصف قُدرته وجبروته، والسور التي تتحدّث عن الكون والمخلوقات التي تدل على عظمة الخالق، والسور التي تتحدث عن الجنة والنار، وعن فوز المؤمنين وخسارة الكافرين، مثل سور الانفطار والتكوير والحاقة والواقعة والرحمن وغيرها.[٦]
تعليم الأخلاق الحميدة
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قدوةً لأصحابه وأمته في حُسن أخلاقه وعظمتها، قال -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}،[٧] وكان يربي أصحابه على الأخلاق الحميدة، والصفات الكريمة، ويسعى لتزكية نفوسهم وتطهيرها من كل إثم أو عيب، فكان يأمرهم بالصدق والعفاف والأمانة وحسن الجوار والإحسان إلى الناس والصبر على الأذى، وكان ينهاهم عن الشرور والآثام كالفواحش والكذب والزنا وأكل المال الحرام، وغير ذلك، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما بُعِثْتُ لأُتممَ صالحَ الأخلاقِ).[٨][٦]
تعليم الصبر والثبات على الإيمان
وذلك من خلال استعراض قصص الأنبياء مع الأمم السابقة سواءً ما جاء منها في القرآن الكريم أو في السنة النبويّة، فقد كان في تلك القصص تعليمٌ لأعظم الدروس، وإمدادٌ بالحكمة والموعظة، وتثبيتٌ للإيمان في القلوب، وتصبيرٌ للنفوس على تحمّل الأذى والعذاب في سبيل الله، وابتغاءٌ لرضوان الله -تعالى- والفوزِ بجنته، من خلال معرفة ما جرى من أحداث مع أصحاب الرسالات من الأنبياء -عليهم السلام- وكيف تعامل أقوامُهم معهم، وما واجهوه من تكذيب وتسفيه ومحاربة، قال -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.[٩][٦]
مواضيع أخرى:
كيف نقتدي بالرسول وأصحابه في ثباتهم؟
المراجع
- ↑ سورة الجمعة، آية:2
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:1478، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاوية بن الحكم السلمي، الصفحة أو الرقم:537، حديث صحيح.
- ↑ عبد الفتاح أبو غدة، الرسول المعلم وأساليبه في التعليم، صفحة 8. بتصرّف.
- ↑ راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 11. بتصرّف.
- ^ أ ب ت راغب السرجاني (21/4/2010)، "تربية الصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 10/8/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة القلم، آية:4
- ↑ رواه ابن عبد البر، في التمهيد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:333، حديث صحيح.
- ↑ سورة يوسف، آية:111