امتاز صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بمناقب وصفات تفردوا بها عن غيرهم من الرجال، فقد كان لهم السبق في الدخول إلى الإسلام، وتحمل الشدائد والجهاد في سبيل إظهار الدين الحقّ، وتبليغه للناس، فهم أول من آمن بالله -عزّ وجلّ- ورسوله، فنالوا شرف صحبته -صلّى الله عليه وسلّم-، ورفقته في الهجرة إلى المدينة، وقد أثنى عليهم الله -عزّ وجلّ- في محكم كتابه فقال: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)،[١]، وقد كانوا ممن يؤثرون غيرهم على أنفسهم وإن كان لهم حاجة، ولأجل ذلك كلّه بشّرهم الله تعالى في الفوز العظيم فقال: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ)،[٢] وقد تواترت الأحاديث والآثار في فضائلهم ومناقبهم -رضي الله عنهم أجمعين-.[٣]


بعض صفات الصحابة

اتصف الصحابة الكرام بعدة صفات وخصال تميّزوا بها، ومنها ما يأتي:


الصبر

اجتمع في الصحابة صفة الصبر بشكل واضح، فقد صبروا في وجه كفار قريش، فلم يضعفوا عن التبليغ أو الصدح بالقرآن الكريم، حيث كان الصحابي يؤذَى ويُضرب حتى لا يستطيع أن يتحرك من شدة الضرب، كما أنّهم -رضي الله عنهم- القدوة لنا في التحمل والصبر على الجوع في سبيل الله، فقد ذكرت كتب السير أنّهم حوصروا حتى لم يعد الواحد منهم يجد شيئاً يأكله، كما حدث مع بلال -رضي الله عنه-، حيث لم يكن معه شيئاً يأكله إلّا شيء يواريه تحت إبطه، أي يُخبّؤه، فكان للواحد منهم تمرة واحدة في اليوم يقتاتها وهم غزاةٌ في سبيل الله -تعالى-، ينقعونها في الماء ثمّ يشربونها.[٤]


الشجاعة

  • تميز العديد من صحابة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بصفة الشجاعة، فقد كانوا يمتلكون في نفوسهم قوةً وإقداماً عجيباً، فقد قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وكان الصديق -رضي الله عنه أشجع الأمة بعد رسول الله، برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه، في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبتهم ويشجعهم، ولو لم يكن له إلّا ثبات قلبه يوم الغار، وليلته، وثبات قلبه يوم بدر، وهو يقول للنبيّ: يا رسول الله؛ كفاك بعض مناشدتك ربك، فإنّه منجز لك ما وعدك، وثبات قلبه يوم أحد ".[٥]
  • وهذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول عن نفسه: "لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً"، وقد روي عن عبد الله بن عمرو أنّه قال: (سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ: أخْبِرْنِي بأَشَدِّ شيءٍ صَنَعَهُ المُشْرِكُونَ بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: بيْنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي في حِجْرِ الكَعْبَةِ، إذْ أقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ أبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ في عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا فأقْبَلَ أبو بَكْرٍ حتَّى أخَذَ بمَنْكِبِهِ، ودَفَعَهُ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}).[٦][٥]
  • وتتجلّى الشجاعة في شخصية خالد بن الوليد في عدّة مواقف، كشجاعته التي ظهرت بشكل واضح في غزوة مؤتة، حيث استلم -رضي الله عنه- الراية بعد استشهاد القادة الثلاث تداركاً منه لانتكاسة كبيرة قد تصيب جيش المسلمين.[٧]


التواضع

كان صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- متواضعين، لا يتكبرون على غيرهم بمكانتهم، أو سلطاتهم، أو ما يمتلكون من أموال، حيث كانوا مقتدين بذلك بالقدوة النبيّ الأمين -عليه الصلاة والسلام-، فقد أُثر أنّ أبا بكر الخليفة -رضي الله عنه- كان يحلب الشاة لجيرانه، وقد كان أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- يحمل قربة الماء، وكان عثمان -رضي الله عنه- ينام في المسجد حتى إذا قام وجد أثر الحصى في جنبه وهو خليفة حينها، وكان عليٌّ -رضي الله عنه- يحمل أشياءه بنفسه ويرفض أن يحملها عنه غيره.[٨]


الزهد

كان الصحابة -رضوان الله عليهم- من أشد الناس زهداً في الدنيا، فقد كان علي بن أبي طالب يصلّي الليل كاملاً، ثمّ تستوقفه الدنيا وزخرفها، فيبكي ويقول: "يا دنيا! غري غيري، طلقتك ثلاثاً"،[٩] ويُذكر أنّه عندما قدِم عمر بن الخطاب إلى الشام جاءته الجنود وهو يلبس إزار وخُفّان وعمامة، وقد أخذ برأس بعيره يخوض الماء، فقالوا: "يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحال"،‏ فردّ عمر: "إنّا قوم أعزّنَا الله بالإسلام فلن نلتمس العزّ بغيره"‏.[١٠]


الكرم والجود

عُرِف عن الصحابة تسابقهم على العطاء والإنفاق، فيَذكر عمر -رضي الله عنه- أنّ رسول الله أمرهم ذات يومٍ بالصدقة، فصادف ذلك وجود مالٍ بحوزته، فذهب إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بنصف ماله، وفي نيته أن يكون الأسبق في ذلك من بين الصحابة، فقال له النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما أبقيتَ لأَهْلِكَ قلتُ مثلَهُ وأتَى أبو بَكرٍ بِكُلِّ ما عندَهُ فقالَ يا أبا بَكرٍ ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ فقالَ أبقيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ قلتُ لا أسبقُهُ إلى شيءٍ أبدًا)،[١١][١٢] كما عُرِف الصحابي طلحة بن عبيد الله بكرمه الشديد، وجوده العظيم، حتى أسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بطلحة الفياض، وذلك عندما اشترى -رضي الله عنه- بئراً ليسقي المسلمين منه، وذبح إبلاً ليطعمهم.[١٣]


المراجع

  1. سورة سورة الفتح، آية:29
  2. سورة سورة التوبة، آية:100
  3. "فضائل ومناقب الصحابة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 26/9/2021. بتصرّف.
  4. محمد صالح المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 3. بتصرّف.
  5. ^ أ ب "نماذج في الشجاعة "، طريق الإسلام، 17/2/2014، اطّلع عليه بتاريخ 26/9/2021. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم:3856، حديث صحيح.
  7. "العبقرية العسكرية في شخصية خالد بن الوليد"، قصة الإسلام، 5/1/2016، اطّلع عليه بتاريخ 12/10/2021. بتصرّف.
  8. "نماذج مِن تواضع الصَّحابة رضوان الله عليهم"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 26/9/2021. بتصرّف.
  9. محمد حسن عبد الغفار، دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار، صفحة 8. بتصرّف.
  10. ابن أبي شيبة ***/زهد الصحابة رَضِيَ الله عَنْهُم/i237&d159501&c&p1 "زهد الصحابة رَضِيَ الله عَنْهُم"، نداء الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 26/9/2021. بتصرّف.
  11. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:3675، حديث حسن.
  12. "نماذج مِن كرم الصَّحابة وجودهم"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 26/9/2021. بتصرّف.
  13. الذهبي، شمس الدين، كتاب سير أعلام النبلاء، صفحة 30. بتصرّف.