أبو ذر الغفاري
هو الصحابي الجليل جُندب بن جُنادة بن سفيان بن عبيد، من بني غِفار، من كنانة بن خزيمة، ويكنى بأبي ذر، من كبار الصحابة، ومن السابقين الأولين، كان خامس من أسلم، عُرف بصدقه حتى قال عنه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (ما أظلَّتِ الخَضراءُ، ولا أقلَّتِ الغَبراءُ على ذي لَهجةٍ أصدَقَ من أبي ذَرٍّ)،[١] وهو أول من حيَّا الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- بتحية الإسلام، هاجر إلى بادية الشام بعد وفاة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فأقام فيها حتى خلافة عثمان بن عفان، ثمَّ انتقل إلى دمشق فأقام فيها، فاستنكر منع الأغنياء أموالَهم عن الفقراء، وحرّض الفقراء عليهم، فشكاه والي الشام معاوية بن أبي سفيان إلى الخليفة، فأمره عثمان بأن يأتي إلى المدينة، فأقام فيها، وبقي على رأيه في استنكار ترف الأغنياء دون الفقراء، فشكوه إلى الخليفة مرة أخرى، فأمره بالخروج من المدينة، وكان زاهداً كريماً مُنفقاً لا يدّخر شيئاً من ماله، وعندما توفي لم يكن يملك ثمن كفنه.[٢]
شخصية أبي ذر الغفاري
رجاحة عقله وجرأته
كان أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- يتميز برجاحة عقله، وبُعد نظره، ونقاء فطرته، وجرأته في قول الحق، فكان قبل إسلامه يكره عبادة الأصنام، ويضيق صدره مما يفعله الناس، ويستنكر ما هم عليه من فساد العقيدة واختلال الدين، فلما سمع بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أسرع للتحقق من خبره، واللقاء به، فلما رآه وسمع منه آمن به وصدّقه، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يخفي أمر إسلامه خوفاً عليه من المشركين، لكنَّ أبا ذر قال له: (والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، لَأَصْرُخَنَّ بهَا بيْنَ أظْهُرِهِمْ)،[٣] فجهر بإسلامه في مكة رغم الخطر الكبير على حياته، فقد تجمّع عليه كفار قريش وضربوه حتى كاد أن يموت، لولا تدخل العباس بن عبد المطلب وإنقاذه له.[٤]
زهده في الدنيا وكرمه
كان أبو ذر رجلاً زاهداً في الدنيا ومتاعها، فكان لا يحب الترف والتنعم، وكان لا يقبل عطايا الأمراء ويردُّ أموالهم إليهم، وكان ينفق ماله كله في سبيل الله -تعالى- يفرّج به كربة الفقراء ويسد جوعتهم، وقد جاءه زائر مرةً إلى بيته فنظر فلم يجد في البيت شيئاً، فتعجب من ذلك وسأله عن السبب، فقال له أبو ذر بأنَّ البيت الحقيقي في الآخرة وليس في الدنيا، وكان ينكر على الأغنياء تنعمهم بالأموال لوحدهم ونسيانهم للفقراء، وكان يرى أنَّه يجب أن يشارك الفقراء الأغنياء في أموالهم، لأنَّ المال مال الله وفيه حق للفقير.[٥]
عدم قدرته على العمل في الإمارة والولاية
على الرغم من جرأة أبي ذر ورجاحة عقله إلا أنه كان لا يستطيع تحمّل أعباء الولاية أو الإمارة أو الحكم، وقد ثبت هذا الأمر عنه في الحديث الصحيح الذي رواه أبو ذر عندما طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوليه شيئاً من أمور المسلمين، فرفض النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك لعلمه بحال أبي ذر وصعوبة قيامه بهذا العمل، بسبب زهده وشظف عيشه، وتشديده على نفسه، وعلى غيره، جاء في الحديث: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قالَ: فَضَرَبَ بيَدِهِ علَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قالَ: يا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّهَا أَمَانَةُ، وإنَّهَا يَومَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلَّا مَن أَخَذَهَا بحَقِّهَا، وَأَدَّى الذي عليه فِيهَا).[٦][٧]
المراجع
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:532، حديث صحيح بطرقه وشواهده.
- ↑ الزركلي، الأعلام، صفحة 140. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:3522، حديث صحيح.
- ↑ عبد الرحمن الباشا، صور من حياة الصحابة، صفحة 144. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن الباشا، صور من حياة الصحابة، صفحة 146. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:1825، حديث صحيح.
- ↑ نزار محمد عثمان، "للقوة وجه ضعيف"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 19/7/2021. بتصرّف.