يُعدّ الصّحابيّ الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه من الصّحابة المُكثِرين روايةً للحديثِ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حيثُ بلغَ عدد المرويّات في مُسندِه ألفينِ ومائتينِ وستةٌ وثمانين حديثاً، فهو يأتي في الرّتبة الثّالثة بعد أبي هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما في رواية الأحاديث، وقد أُخرج له في الصحيحيْن ثلاثمائة وثمانية عشر حديث، اتفق الشيخان البخاري ومسلم -رحمها الله تعالى- منها على مائة وثمانية وستين حديثاً، وانفرد الإمام البخاري بثمانين حديثاً، كما انفرد الإمام مسلم بسبعين حديثاً.[١][٢]


سبب كثرة مرويات أنسٌ بن مالِك

جاءت كثرةُ روايةِ أنسٍ بن مالك رضي الله عنه للحديثِ، لأسباب عدّة، من أبرزها ما يأتي:[٢][٣]

  • كثرة ملازمته رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أثناء خدمته له؛ فقد كان رضي الله عنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم، واستمرّت خدمته مدة عشر سنين، حيث أتت به أمّه أمّ سُلَيم الأنصاريّة رضي الله عنها للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ترجوه أن يتقبّل أنساً خادِماً عِنده، وكان أنس حينها صغير السنّ؛ فكان يلازم النبي في كافّة مواطِن حياتِه؛ في حِلّه وترحالِه، وسلمِه وحربِه؛ يتعلّم منه ويتأسّى به، ويقلّده، ويحفظُ عنه كلّ ما يتحدّث به، ومع حدّة ذكائه وفطنته، ودقة فهمه، وسرعة حفظه؛ كانت العشرُ سنواتٍ كفيلةً لأنْ تصنعَ من أنسٍ محدثاً كبيراً، ومُفتياً عظيماً، وإماماً يُقتدى به، ويؤخذُ بعلمِه؛ فغدا أنسٌ علماً من أعلامِ الحديثِ.
  • امتداد عمره رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان آخر الصّحابة وفاةً، حيث كانت دعوةِ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم له بالبركةِ والكثرةِ في العُمر من أعظمِ الآثار التي جعلته عالماً بالسنة عاملاً بها؛ يحدّث الناس ويعلّمهم إياها، ولم يكن رضي الله عنه مقتصراً على الأحاديث التي تلقّاها من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل كان يروي عن كثير من الصحابة؛ فإذا لم يكن حافظاً لحديثٍ ما؛ سافر من بلد إلى آخر؛ ليسمعه من الصحابي الذي رواه عن النبي؛ ويتلقاه عنه مباشرة، وكذلك روى عنه كثير من سادة التابعين وكبارهم؛ الذين لهم الأثر البالغ في خدمة الدين ونقل السنة وحفظها؛ من أمثال؛ الحسن البصري، وابنُ سيرين، وسعيد بن جبير، وثابتُ البُنانيّ، وقتادة، وغيرهم الكثير.


بعضُ مرويّات أنس بن مالك

بما أنّ أنساً من الصّحابة المكثرين عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- روايةً؛ فأحاديثُه كثيرةٌ يصعُب حصرُها؛ لذلِك سنذكرُ منها بعضاً ممّا رواهُ:

  • (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).[٤]
  • (ما مَسِسْتُ حَرِيرًا ولَا دِيبَاجًا ألْيَنَ مِن كَفِّ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أوْ عَرْفًا قَطُّ أطْيَبَ مِن رِيحِ أوْ عَرْفِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).[٥]
  • (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فأرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلتُ: وَاللَّهِ لا أَذْهَبُ، وفي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِما أَمَرَنِي به نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَخَرَجْتُ حتَّى أَمُرَّ علَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ في السُّوقِ، فَإِذَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قدْ قَبَضَ بقَفَايَ مِن وَرَائِي، قالَ: فَنَظَرْتُ إلَيْهِ وَهو يَضْحَكُ، فَقالَ: يا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟ قالَ قُلتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ، يا رَسولَ اللَّهِ).[٦]


المراجع

  1. ابن الملقن، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، صفحة 423. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "أنس بن مالك"، قصة إسلام، 1/5/2006، اطّلع عليه بتاريخ 21/11/2021. بتصرّف.
  3. عبد الحميد الطهماز، أنس بن مالك الخادم الأمين والمحب العظيم، صفحة 108-109. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:13، صحيح.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3561، صحيح.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2310، صحيح.