خالد بن الوليد -رضي الله عنه- صحابيٌّ جليلٌ، لقّبه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بسيف الله المسلول؛ لشجاعته -رضي الله عنه- وبسالته في الجهاد، وحنكته في القتال، وقد شارك -رضي الله عنه- في الغزوات التي كانت بعد إسلامه؛ حيث يُروى أنّه أسلم في السنة الثامنة قبل فتح مكّة المكرّمة، وشهد الفتح، وغزوة مؤتة، وغزوة حنين، وكان ذلك في عهد النبيّ -عليه الصلاة والسلام-،[١] أمّا المعارك التي شهدها بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فكثيرةٌ؛ حيث رُوي عنه -رضي الله عنه- أنّه قال مستذكرًا وهو على فراش الموت: إنّه شارك في معارك وفتوحاتٍ كثيرةٍ تزيد عن مئةٍ.[٢]


غزوات وفتوحات خالد بن الوليد

خلّد التاريخ قيادة خالد بن الوليد ومشاركته في عددٍ من الغزوات والمعارك والفتوحات الإسلاميّة؛ ممّا يثبت شجاعته -رضي الله عنه- وحنكته العسكرية، وآتيًا حديثٌ عن دوره في عددٍ من الغزوات الفتوحات.


دور خالد في غزوة مؤتة وفتح مكة

جهز النبيّ -عليه الصلاة والسلام- جيشًا من المسلمين قوامه ثلاثة آلاف مقاتلٍ؛ لقتال الروم على حدود الشام، وذلك في العام الثامن من الهجرة، واختار لقيادة الجيش: زيد بن حارثة، فإن استشهد، تولّى القيادة جعفر بن أبي طالب، وإن استشهد جعفر؛ فيتولّى القيادة بعده عبد الله بن رواحة، وبعد بدء المعركة، استشهد قادة المسلمين الثلاثة تباعًا، فحمل الراية خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بتأييدٍ من المسلمين، وكانت الغلبة والقوة حينها لجيش الروم الذي كان يفوق جيش المسلمين عددًا بأضعافٍ كثيرةٍ.[٣]


استلم خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الراية، وبتوفيقٍ من الله -تعالى-؛ فكر خالد في خطَّةٍ يخدع بها الروم، واهتدى إلى أن يعيد ترتيب الجيش ليلًا، وأعاد توزيع صفوف الجيش؛ فظنّ الروم أنّ جيش المسلمين قد أتاه مددٌ؛ لما رأوا من الغبار والضجيج الذي ثار نتيجة حركة الجيش، واختلاف وجوه جنود المسلمين، ممّا أدّى إلى زعزعةٍ لدى جيش الروم، استغلها خالد، وانسحب بجيش المسلمين بأقل الخسائر الممكنة بعد أن قاتل خالد والمسلمون فيها قتالًا عظيمًا، وتحطّمت في يد خالد -رضي الله عنه- تسعة سيوفٍ يومها، ولم تمض فترةٌ طويلةٌ على غزوة مؤتة، حتّى خرج النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وجيشٌ عظيمٌ من أصحابه لفتح مكّة، وكان خالد بن الوليد -رضي الله عنه- حاملًا لأحد ألوية الجيش، وأتمّ الله -تعالى- للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- وللمسلمين فتح مكّة بلا قتلٍ.[٣]


مشاركة خالد في حروب الردة

بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وتولّي أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- الخلافة، ظهرت حركة الردّة عن الإسلام عند بعض القبائل، وادّعى بعض الأشخاص النبوّة؛ فجهّز أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- جيشًا لقتال المرتدين، قاده عكرمة بن أبي جهل وآخر قاده شرحبيل بن حسنة -رضي الله عنهم-، وحين تعثّروا في القتال، بعث أبو بكرٍ الصديق بخالد بن الوليد -رضي الله عنه- على رأس جيشٍ؛ ليساند جيش عكرمة وشرحبيل، وقاتل المرتدين وزعيمهم: مسيلمة الكذاب في معركة اليمامة، وانتصر جيش المسلمين، وأُنهيت حركة الردّة.[٣]


إسهامات خالد بن الوليد في الفتوحات الإسلامية

شارك خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في فتوحات العراق والشام آخر خلافة أبي بكر الصديق، واستمرّت في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وكان خالد قائدًا للجيش في فتوحات الشام، وعزله عمر بن الخطاب عن القيادة، وسلّمها لأبي عبيدة -رضي الله عنهم-؛ حتّى لا يفتتن المسلمون ويظنونًا أنّ النصر يأتي إذا كانت القيادة بيد خالد بن الوليد، وإنّما النصر من الله -تعالى-، ورغم عزله؛ استمر خالد -رضي الله عنه- يُقاتل جنديًّا في جيش المسلمين، حتّى أتمّ الله -تعالى- الفتح لهم.[٣]


وفاة خالد بن الوليد

رغم الغزوات والمعارك الكثيرة التي خاضها سيف الله المسلول: خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلّا أنّه لم يمت شهيدًا في ساحات القتال، وتحسّر خالد -رضي الله عنه- على ذلك وهو في فراش الموت -كما تنقل الروايات عنه-، وتُوفّي -رضي الله عنه- على فراشه، وقد وهب فرسه وسلاحه في سبيل الله، وتعدّدت الروايات في مكان وفاته،[٤] فقيل إنّه توفّي في المدينة زمن خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ودفن فيها، وقيل إنّه تُوفّي في مدينة حمص ودُفن فيها.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب أبو الحسن بن الأثير، أسد الغابة، صفحة 140.
  2. راغب السرجاني، كن صحابيًا، صفحة 10. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث محمد حسان، سلسلة مصابيح الهدى، صفحة 6-15. بتصرّف.
  4. موسى بن راشد العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 570-571.