معاذ بن جبل -رضي الله عنه- صحابيٌّ جليلٌ، حفلت كتب التراجم والسير بذكره، وذكر تفاصيل من حياته وجوانب من شخصيته -رضي الله عنه-، إلّا أنّها لم تذكر له مهنةً سوى أنّه -رضي الله عنه- كان منشغلًا بالعلم؛ فكان من أعلم الصحابة -رضي الله عنهم- بالحلال والحرام، يسألونه؛ فيفتيهم، وكان من الصحابة الحافظين لكتاب الله -تعالى-.[١]


علم معاذ بن جبل

أعلم الصحابة بالحلال والحرام

رُوي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه وصف معاذ بن جبل -رضي الله عنه- بأنّه أعلم الناس بالحلال والحرام، وذلك في قوله: (أرْأَف أمتي بأمتي أبو بكرٍ، وأشدُّهم في دينِ اللهِ عمرَ، وأصدقُهم حياءً عثمانُ، وأقضاهم عليٌّ، وأفرضُهم زيدُ بنُ ثابتٍ، وأقرؤهم أُبَيُّ، وأعلمُهم بالحلالِ والحرامِ معاذُ بنُ جبلٍ، ألا وإنَّ لكلِّ أمةٍ أمينًا، وأمينُ هذه الأمةِ: أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ)،[٢] فقد كان معاذ -رضي لله عنه- على درجةٍ من العلم والفقه؛ فكان ممّن يُستفتى ويسأل من الأنصار.[١]


حافظٌ للقرآن الكريم

كان معاذ بن جبلٍ -رضي الله عنه- من الحافظين لكتاب الله -تعالى- المتقنين لتلاوته؛ لذا كان أحد الأربعة الذين وجّه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أصحابه أن يأخذوا القرآن الكريم عنهم ويسمعوه منهم؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: (اسْتَقْرِئُوا القُرْآنَ مِن أرْبَعَةٍ؛ مِن عبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ -فَبَدَأَ به-، وسَالِمٍ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ، وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، ومُعَاذِ بنِ جَبَلٍ. قالَ: لا أدْرِي بَدَأَ بأُبَيٍّ، أوْ بمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ)؛[٣] وتخصيص الصحابة الأربعة -رضي الله عنهم- بالذكر؛ لكونهم أكثر الصحابة ضبطًا وحفظًا للآيات، وإتقانًا لتلاوتها.[٤]


صفات معاذ بن جبل

كان معاذ بن جبلٍ -رضي الله عنه- ممّن بايع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على الإسلام في بيعة العقبة الثانية، وهو ابن ثماني عشرة سنةً، وآخى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بعد هجرته إلى المدينة المنوّرة مع عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-،[١] وكان معاذ -رضي الله عنه- كريم الخصال طيّب الصفات؛ فعرف بحكمته وفهمه، وكرمه وعطائه؛ فيروى أنّه بذل لله -تعالى- حتّى مات فقيرًا، وكان -رضي الله عنه- شجاعًا، صاحب عقلٍ وفطنةٍ، يرجع إليه الصحابة والتابعون؛ فيسألونه ويتعلّمون منه.[٥]


وصايا النبيّ لمعاذ بن جبل

أوصى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- معاذ بن جبلٍ -رضي الله عنه- في مواطن عدّةٍ، ومنها:[٥]

  • وصيّته له بالذكر بعد الصلاة؛ فقال له: (يا مُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ).[٦]
  • وصيته له ولأبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنهما- حين أرسلهما إلى اليمن؛ فقال لهما: (يَسِّرَا ولَا تُعَسِّرَا، وبَشِّرَا ولَا تُنَفِّرَا، وتَطَاوَعَا ولَا تَخْتَلِفَا).[٧]


جهاد معاذ بن جبل ووفاته

شهد معاذ بن جبل -رضي الله عنه- المواقع والغزوات مع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من بدرٍ إلى غزوة تبوك، ثمّ أرسله إلى اليمن، كما شارك -رضي الله عنه- زمن الخلافة الراشدة في فتوحات بلاد الشام، في عهد أبي بكرٍ وعمر -رضي الله عنهما-؛ حيث استلم معاذ بن جبل -رضي الله عنه- لواء الفتوحات بعد وفاة أبي عبيدة -رضي الله عنه- بطاعون عمواس، ولقي معاذ -رضي الله عنه- مثل ما لاقى أبو عبيدة؛ فتوفّي بالطاعون سنة ثماني عشرة للهجرة، وقيل سبع عشرة للهجرة، وكان ما زال شابًا -رضي الله عنه-.[٨]



مواضيع أُخرى:

عوامل حفظ الصحابة للكتاب والسنة

الاجتهاد في عصر صغار الصحابة

المراجع

  1. ^ أ ب ت أبو الحسن بن الأثير، أسد الغابة، صفحة 187. بتصرّف.
  2. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله عمر، الصفحة أو الرقم:868، صححه الألباني.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:3758، حديث صحيح.
  4. "شرح حديث: استقرئوا القرآن من أربعةٍ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 26/9/2022. بتصرّف.
  5. ^ أ ب خالد محمد خالد، رجال حول الرسول، صفحة 101-106. بتصرّف.
  6. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:1522، صححه الألباني.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:3038، حديث صحيح.
  8. عبد الحميد محمود طهماز، معاذ بن جبل: إمام العلماء، ومعلم الناس الخير، صفحة 30-42. بتصرّف.