عمر بن الخطاب

هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين قاهر الفُرْس والروم أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العُزَّى بن رِياح بن عبد الله بن قُرط بن رَزَاح بن عَدي بن كَعب بن لُؤي بن غالب القرشي العدوي، يلتقي في نسبه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في كعب بن لؤي، وُلِدَ في مكة بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وقد كان يشتهر بالقوة والشجاعة الشديدة والهيبة وضخامة الجسم، وقد أسلم قبل الهجرة النبوية بخمسة أعوام، وقد كان قبل إسلامِهِ مُعَادِياً للمسلمين، فكان إسلامُهُ عِزَّاً ونصراً لهم، واستجابةً إلهيةً لدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهمَّ أعِزَّ الدِّينَ بأحَبِّ هذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إليكَ: بأبي جهلِ بنِ هشامٍ أو عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، فكان أحَبَّهما إليه عُمَرُ بنُ الخطَّابِ)،[١] وقد لقَّبَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفاروق، لأنَّ الله -تعالى- فَرَّق به بين الحق والباطل، وقد تولى خلافة المسلمين فضرب أروع الأمثلة في العدل والزهد، وفُتحت في عهده بلدان الإسلام.[٢]


مواقف مشرقة من سيرة عمر بن الخطاب

موافقاته مع القرآن

كان عمر رجلاً مُلهَماً من الله -تعالى- فكان يُبدي رأيه في أمر فيوافقه الله -تعالى- على ذلك وينزل به قرآناً، ومن ذلك ما روي عنه في الحديث: (وافَقْتُ رَبِّي في ثَلَاثٍ: فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، وآيَةُ الحِجَابِ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لو أمَرْتَ نِسَاءَكَ أنْ يَحْتَجِبْنَ، فإنَّه يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ والفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، واجْتَمع نِسَاءُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الغَيْرَةِ عليه، فَقُلتُ لهنَّ: (عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبَدِّلَهُ أزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ)، فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ).[٣]


ومن موافقاته أيضاً رأيه في أسرى بدر، حيث رأى أن يتم قتلهم، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأخذ برأيه، وأخذ برأي أبي بكر الذي رأى أن يتم فداؤهم، فنزل قول الله -تعالى- معاتباً نبيّه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.[٤][٥]


عدله واهتمامه بالرعية

كان عمر من أعدل حكام المسلمين إن لم يكن أعدلهم على الإطلاق، حتى أن اسمه اقترن بالعدل، فإذا ذُكر العدل ذُكر عمر، وكان يهتم بشؤون رعيته اهتماماً كبيراً، ويرعاهم رعايةً فائقةً، ويتفقد أحوالهم بالليل والنهار، وكان يقول: "كل راعٍ مسؤولٌ عن رعيته"، ومما يروى عنه أنَّه دُعي مرةً إلى وليمة، فلما جاء الخدم بالطعام بدأ أصحاب الوليمة بالأكل ولم يطعموا الخدم، فقال لهم: "ما لي أرى خدامكم لا يأكلون معكم، أترغبون عنهم؟" فقالوا: "لا والله يا أمير المؤمنين، ولكننا نستأثر عليهم"، فغضب غضباً شديداً، ثمَّ قال: "ما لقوم يستأثرون على خدامهم فعل الله بهم وفعل"، ثم قال للخدم: "اجلسوا فكلوا" فجسلوا يأكلون ولم يأكل هو، وعندما جاء إليه رسول الروم وجده نائماً تحت شجرة، وقد ظن أنَّه يعيش في قصر تحت حراسة مشددة، فلما رآه في تلك الحال، تعجب بشدة وقال جملته الشهيرة: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر".[٦]


أمور تفرد بها عمر بن الخطاب

لقب أمير المؤمنين

كان أول من لقب بهذا اللقب، فقد كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يلقب بخليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما توفي وتولى عمر الخلافة أصبح يدعى بخليفة خليفة رسول الله، فوجد هذا اللقب طويلاً، وطلب من الصحابة أن يختاروا لقباً أقصر منه، فقالوا له أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين، فأقره، فأجمعوا عليه.[٧]


صلاة التروايح

كان عمر أول من جمع الناس لصلاة التراويح في المسجد على إمام واحد، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها منفرداً خشيةً من أن تفرض على المسلمين، فكان الناس يصلونها متفرقين، فرأى عمر أن جمعهم على إمام واحد أفضل من صلاتهم متفرقين في المسجد، وأمر أبي بن كعب بإمامتهم، فلما رآهم يصلون قال: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون".[٨]


جمع القرآن

كان عمر هو أول من اقترح فكرة جمع القرآن الكريم في مصحف واحد، فقد كانت آياته متفرقة في صحف الصحابة وفي صدورهم، فلما رأى أنَّ كثيراً من حفظة الصحابة يًقتلون في المعارك في عهد أبي بكر الصديق، خشي من ضياع القرآن، فاقترح عليه أن يتم جمعه في مصحف واحد، فتردد أبو بكر وخاف أن يفعل شيئاً لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن عمر شجعه على ذلك، وقال له بأنَّ هذا الأمر خير، حتى انشرح صدر الصدّيق وأمر زيد بن ثابت بجمع القرآن، واستمر جمعه حتى تمَّ في عهد عثمان.[٩]


فضائل عمر بن الخطاب

إنَّ لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فضائل ومناقب كثيرة في الإسلام يصعب حصرها -فهو من أبرز رجال الإسلام وأقواهم وأكثرهم خدمةً للدين- نَذْكُرُ فيما يأتي بعضاً منها:[١٠]

  • هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (بيْنَا أنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي في الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إلى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلتُ: لِمَن هذا القَصْرُ؟ قالوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا).[١١]
  • هو الوزير الثاني للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أبي بكر الصديق، جاء في الحديث: (أبو بكرٍ وعمرُ، سيِّدَا كُهولِ أهلِ الجنَّةِ، من الأوَّلينَ والآخِرينَ).[١٢]
  • هو شهيد من شهداء الإسلام، جاء في الحديث: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا، وأَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بهِمْ، فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ؛ فإنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهِيدَانِ).[١٣]
  • هو صاحب العلم الواسع والرأي الثاقب، بشهادة النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنا أنا نائِمٌ أُتِيتُ بقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ منه، ثُمَّ أعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قالوا: فَما أوَّلْتَهُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: العِلْمَ).[١٤]
  • هو صاحب الدين القوي والإيمان الراسخ، بشهادته -صلى الله عليه وسلم-: (بيْنَما أنا نائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وعليهم قُمُصٌ، مِنْها ما يَبْلُغُ الثَّدْيَ، ومِنْها ما يَبْلُغُ دُونَ ذلكَ، ومَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعليه قَمِيصٌ يَجُرُّهُ قالوا: ما أوَّلْتَهُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الدِّينَ).[١٥]
  • هو الحكيم العبقري بشهادته -صلى الله عليه وسلم- جاء في الحديث: (فَلَمْ أرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ حتَّى رَوِيَ النَّاسُ).[١٦]
  • هو الذي يهرب منه الشيطان، فقد قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، ما لَقِيَكَ الشَّيْطانُ قَطُّ سالِكًا فَجًّا إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ).[١٧]
  • هو المُحَدَّثُ المُلْهَم، جاء في الحديث: (لقَدْ كانَ فِيما قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فإنْ يَكُ في أُمَّتي أحَدٌ، فإنَّه عُمَرُ).[١٨]
  • هو الذي أعز الله -تعالى- به الإسلام والمسلمين، قال ابن مسعود: (مَا زِلْنَا أعِزَّةً مُنْذُ أسْلَمَ عُمَرُ).[١٩]
  • هو الذي دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بإخراج الغلِّ من صدره، جاء في الحديث: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم ضرب صدرَ عمرَ بيدهِ حينَ أسلم ثلاثَ مراتٍ وهو يقولُ: اللهمَّ أخرِجْ ما في صدرِ عمرَ من غلٍّ وأبدِلهُ إيمانًا).[٢٠]


المراجع

  1. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:6881 ، حديث حسن.
  2. أ.د. عبد الله الطيار (29/10/2017)، "فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28/5/2021. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:402، حديث صحيح.
  4. سورة الأنفال، آية:67
  5. ابن المبرد، محض الصواب، صفحة 185. بتصرّف.
  6. ابن المبرد، محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، صفحة 354-465. بتصرّف.
  7. ابن المبرد، محض الصواب، صفحة 311. بتصرّف.
  8. ابن المبرد، محض الصواب، صفحة 346. بتصرّف.
  9. ابن المبرد، محض الصواب، صفحة 538. بتصرّف.
  10. محمد حسن عبد الغفار، فضائل الصحابة، صفحة 2. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3680، حديث صحيح.
  12. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن علي بن أبي طالب وأنس بن مالك وأبو جحيفة وجابر بن عبدالله وأبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:824، حديث صحيح بمجموع طرقه.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3675، حديث صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:7032، حديث صحيح.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:7008، حديث صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر ، الصفحة أو الرقم:3682 ، حديث صحيح.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:3294، حديث صحيح.
  18. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3689، حديث صحيح.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن قيس بن أبي حازم، الصفحة أو الرقم:3684، حديث صحيح.
  20. رواه السيوطي، في الخصائص الكبرى، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:164، حديث إسناده حسن.