دُفن أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- في مدينة بيسان في الأردن، وقد صلّى عليه معاذ بن جبل -رضي الله عنه- ونزل في قبره مع عمرو بن العاص والضحاك بن قيس، فقد توفي -رضي الله عنه- سنة ثمان عشرة أو سبع عشرة للهجرة، وكان يبلغ من العمر ثمان وخمسين سنة، وقد كان ذلك بعد أن أصيب بمرض طاعون عمواس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-،[١][٢] الذي كان قد أرسل إليه كتاباً يذكر فيه أنّه يحتاج إلى مشورته في أمر ما، إلّا أنّ أبا عبيدة -رضي الله عنه- كان قد علم مُراد الخليفة وهو إخراجه من أرض الوباء فأبى ذلك وكتب إلى عمر -رضي الله عنه-: "يا أمير المؤمنين، إنّي قد عرفت حاجتك إليّ وإنّي في جند المسلمين لا أجد نفسي رغبة عنهم، فلست أريد فراقهم حتى يقضي الله فيّ وفيهم أمره وقضاءه، فخلني من عزمتك يا أمير المؤمنين ودعني في جندي".[٣]


وصايا أبي عبيدة بن الجراح

عندما أُصيب أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- بطاعون عمواس وشعر باقتراب أجله كان قد دعا الناس إليه ليوصيهم، وكان ممّا أوصى به ما يأتي:[٤]

  • أوصى -رضي الله عنه- المسلمين ودعاهم للمحافظة على الصلاة، وإخراج الزكاة، وصيام رمضان، والذهاب للحجّ والعمرة.
  • أوصى -رضي الله عنه- المسلمين وحثّهم على التوادّ والتراحم فيما بينهم، والإقدام على نصح الأمراء وعدم الخوف منهم فيكون ذلك سببا في غشّهم.
  • أوصى -رضي الله عنه- المسلمين بالتأهب والاستعداد للموت، وألّا تُلهيهم الدنيا وتُشغلهم عن مآلهم ومصيرهم الذي قد كتبه الله على بني آدم.
  • أوصى -رضي الله عنه- المسلمين بالإقبال على الله -تعالى-، والإكثار من فعل الخير والعبادات والطاعات مُبيّناً لهم أنّ أفطن الناس مَن أطاع الله -تعالى- وعمل لآخرته.


نبذة عن أبي عبيدة بن الجراح

هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر القرشي الفهري، وأمّه أميمة بنت غنم، وكان -رضي الله عنه- يُكنّى بأبي عبيدة وبها عُرف وبنسبته إلى جدّه الجراح، وكانت ولادته -رضي الله عنه- سنة أربعين قبل الهجرة، أمّا إسلامه فكان -رضي الله عنه- من السابقين إليه، حيث أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وعلى يديه، وكان أبو عبيدة -رضي الله عنه- رجلا طويل القامة، نحيف الجسم، أثرم الثنيّتيْن أي مكسور الثنيتين،[٥][٦] والثنيّتيْن هما الأسنان الأمامية التي تكون في مقدمة الفم.


فضائل أبي عبيدة بن الجراح ومناقبه

هناك العديد من الفضائل والمناقب التي امتاز بها أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- ومنها ما يأتي:[٦]

  • كونه -رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (عشرةٌ في الجنَّةِ : أبو بَكْرٍ في الجنَّةِ ، وعُمرُ في الجنَّةِ ، وعليٌّ وعثمانُ والزُّبَيْرُ وطلحةُ وعبدُ الرَّحمنِ وأبو عُبَيْدةَ وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ).[٧]
  • كونه -رضي الله عنه- قد هاجر الهجرتين، وشهد غزوة بدر وكافة الغزوات مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
  • كونه -رضي الله عنه- يُلقّب بأمين الأمة، وقد حاز على هذا اللقب من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حيث قال: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أمِينٌ، وأَمِينُ هذِه الأُمَّةِ أبو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ).[٨]
  • كونه -رضي الله عنه- من أحبّ الناس إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن عبد الله بن شقيق -رضي الله عنه- قال: (قلتُ لعائشةَ أيُّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ أحبَّ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالت أبو بَكْرٍ قلتُ ثمَّ مَن قالَت عمرُ قلتُ ثمَّ من قالت ثمَّ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ قال قلتُ ثمَّ من قال فسَكَتَت).[٩]
  • ثناء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-، ومن ذلك قول رسول الله: (نِعْمَ الرجلُ أبو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ).[١٠]


جهاد أبي عبيدة بن الجراح في غزوة أحد

كان أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- ممّن ثبت حول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يدافع عنه في غزوة أحد، فأبلى فيها بلاءً حسناً، حيث عمد -رضي الله عنه- إلى نزع حلقتي المغفر اللتين دخلتا في وجنة رسول الله الشريفة من خلال ثنيتيه ممّا أدى ذلك إلى كسرهما وقلعهما فأصبح -رضي الله عنه- أهتماً، أي أسنانه الأمامية مكسورة، فكان يُقال: ما رؤي هتم قَطّ أحسن من هتم أبي عبيدة بن الجراح،[١١] ويُقصد بالمغفر أنها الخوذة التي يلبسها المحارب في القتال لتغطية وجهه.


المراجع

  1. محمد شراب، أبو عبيدة عامر بن الجراح، صفحة 285.
  2. ابن الأثير، جامع الأصول، صفحة 130. بتصرّف.
  3. عبد العزيز الشناوي، صديقان في الجنة الزبير بن العوام ابو عبيدة بن الجراح، صفحة 47-48. بتصرّف.
  4. محمد المبرد، التعازي والمراثي والمواعظ والوصايا، صفحة 141. بتصرّف.
  5. ابن الأثير ، أسد الغابة، صفحة 201. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "أبو عبيدة بن الجراح"، قصة اسلام، 1-5-2006، اطّلع عليه بتاريخ 23-10-2021. بتصرّف.
  7. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن سعيد بن زيد، الصفحة أو الرقم:3748 ، صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4382 ، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن شقيق، الصفحة أو الرقم:3657 ، صحيح.
  10. رواه الترمذي ، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3795 ، حسن.
  11. محمد شراب، أبو عبيدة بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية، صفحة 79. بتصرّف.