خالد بن الوليد

هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشيّ، ويكنى بأبي سليمان، واسم أمه لبابة الصغرى بنت الحارث بن حرب الهلاليّة، وأختها لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب، وأختهما ميمونة بنت الحارث زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فميمونة هي خالة خالد، وكان خالد أحد أشراف قريش في الجاهلية، وكان قائد الفرسان فيهم، وشهد معهم الحروب ضد المسلمين حتى صلح الحديبية، ثمَّ أسلم في السنة السابعة للهجرة، وقيل قبلها،[١] وجاهد في سبيل الله -تعالى- حق جهاده، وشارك في غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبلى فيها بلاءً حسناً، حتى لُقب بسيف الله المسلول، وقد تولّى قيادة جيش المسلمين في مؤتة بعد استشهاد القادة الثلاثة، فمَدَحَهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأثنى عليه قائلاً: (حتَّى أخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ، حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليهم)،[٢] وقد فتح الله -تعالى- على يديه الشام والعراق في عهد الخليفتين، توفي في سنة إحدى وعشرين للهجرة.[٣]


خالد بن الوليد قبل الإسلام

كان خالد بن الوليد قبل إسلامه من أكبر الحاقدين على الإسلام، ومن أشد المحاربين له، فقد كان يريد قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان أبوه الوليد بن المغيرة سيداً من سادات قريش الذين حاربوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذبوه وكادوا له، والوليد هو أحد الرجلين الذَين كان يتمنى المشركون أن لو كان أحدهما هو النبي، وأنزل الله -تعالى- في ذلك قوله: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}،[٤] وكان الوليد من أغنى رجال العرب، لكن ابنه خالد لم يأبه لذلك الغنى، ولم يتأثر به كغيره من أبناء الأغنياء المنعمين، فكان يفضل حياة الشدة والخشونة وكان يذهب إلى الصحراء ليتدرب على القتال والصلابة، فقد كانت عشيرته بني مخزوم هي المسؤولة عن قيادة الحروب في مكة، فكان خالد فارساً قوياً شجاعاً، وقائداً ذا حنكة وذكاء، وهذا هو السبب الذي جعله ينتصر على المسلمين يوم أحد، حين التف عليهم بخيله، وأحدث فيهم ما أحدث من الهزيمة.[٥]


كيف أسلم خالد بن الوليد؟

كان إسلام الصحابي خالد بن الوليد -رضي الله عنه- معجزةً من المعجزات، ودليلاً على صدق نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف لرجلٍ صدَّ عن سبيل الله -تعالى- وحارب رسوله حرباً لا هوادة فيها، أن ينقلب حاله رأساً على عقب، ثم يدخل الإيمان في قلبه، فيصبح مسلماً بعد أن كان كافراً وليس أي كافر، بل كان عدواً حاقداً متربصاً شديد الخطر، لكنَّ الله -تعالى- إذا أراد الخير لعبده بدّل حاله، وفتح قلبه لاستقبال الخير، وشرح صدره للإسلام، وهذا ما حدث مع خالد، حين رأى بعينه كيف انتصر الإسلام على الرغم من كل المحاولات المستمرة للقضاء عليه، فأدرك أنَّ هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- مبعوث بالصدق وبالحق من الله -تعالى- فذهب إليه مهاجراً من مكة إلى المدينة، وهاجر معه عثمان بن طلحة وعمرو بن العاص وكان حالهما كحال خالد، فأسلموا جميعاً، وقد كان يؤرقهم ما فعلوه قبل إسلامهم، فطمأنهم النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: (الإسلامُ يجبُّ ما قَبلَهُ).[٦][٧]


صفات خالد بن الوليد

الصفات الخَلْقية

لم تذكر كتب التراجم والسير صفات جسدية مفصّلة لخالد بن الوليد -رضي الله عنه- لكنَّها ذكرت أنَّ خالداً كان يتمتع بقوة لا مثيل لها، حيث إنَّه كان مقاتلاً شرساً في المعارك لا يشق له غبار، وقد ورد عنه أنَّه قال: (لَقَدِ انْقَطَعَتْ في يَدِي يَومَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أسْيَافٍ، فَما بَقِيَ في يَدِي إلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ)،[٨] وقد كان خالد قريب الشبه بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حتى أنَّ بعض الناس كان يخلط بينهما، ومن هنا نعلم أنَّ خالداً كان ذا جسمٍ ضخمٍ وقامةٍ طويلةٍ وهيبةٍ ووقار.[٩]


الصفات الخُلُقية

تميّزت شخصية خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بأخلاق حميدة، وصفات فريدة، تدل على عظمة تلك الشخصية، ومن تلك الصفات ما يأتي:[٩]

  • الحنكة والذكاء وحُسن القيادة: فقد كان منذ الجاهلية قائداً فذاً في المعارك، يخطط بذكاء ويستطيع تغيير موازين القوى في لحظة، وكذلك بعد إسلامه فقد قاد أعظم المعارك وانتصر فيها وفتح كثيراً من بلدان الإسلام.
  • التضحية والفداء وإيثار الدار الآخرة على الدنيا: فقد روي عنه أنَّه قال: "ما من ليلة يُهدى إليَّ فيها عروس أنا لها محب، وأُبشَّر فيها بغلام، بأحبَّ إليَّ من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد في سرية من المهاجرين، أُصَبِّحُ بهم العدو".
  • الحكمة والرأي السديد: فقد ذُكر بأنَّه كان يُطيل التفكير في الأمور، ويتأمل فيها كثيراً، ولا يقول رأيه إلا بعد تفكير عميق، ورَوِيَّة وتبَصُّر.
  • الكرم: فقد كان -رضي الله عنه- جواداً كريماً معطاءً، حتى أنَّه كان يعطي الضيوف من ماله، وقد عاتبه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على ذلك العطاء الكثير.
  • التواضع والرجوع إلى الحق: فقد كان خالد يرجع إلى الحق إذا تبين له بأنَّه على خطأ، ولا يستحي من ذلك، ومن ذلك رجوعه إلى الحق عندما عاتبه النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبب خلاف حدث بينه وبين عمار بن ياسر -رضي الله عنه- فذهب إليه واعتذر منه.
  • الشجاعة: وهي الصفة الأبرز بين صفات خالد، وهي الصفة التي اشتُهر وعُرف بها بين الناس، فشجاعته معروفة، وقد مات وليس في جسده مكان إلا فيه أثر من آثار الجراح التي أصابته في المعارك.


غزوات ومعارك خالد بن الوليد

غزوة مؤتة

وكانت أول معركة شارك فيها خالد إلى جانب المسلمين وحدثت في السنة الثامنة للهجرة، في قرية مؤتة من أرض الشام، وكان عدد المسلمين فيها ثلاثة آلاف مقاتل.[١٠]


فتح مكة

وحدث في العام الثامن للهجرة أيضاً، وكان خالد قائد الفرقة الثانية في جيش المسلمين، وكان عدد المسلمين عشرة آلاف مقاتل.[١١]


غزوة حنين

وحدثت بعد فتح مكة في نفس العام، وقد جُرح فيها خالد، وتفقده النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد المعركة ونفث في جرحه فشفي.[١٢]


دومة الجندل

حيث أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى صاحبها أكيدر بن عبد الملك، فأسره خالد وأحضره إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فصالحه على الجزية وأعاده إلى بلده.[١٣]


حروب الردة

وحدثت في السنة الحادية عشرة للهجرة، في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حيث كان خالد أحد القادة الذين كلّفهم أبو بكر بقتال المرتدين وتأديبهم.[١٤]


معارك فتح العراق

حدثت في أواخر السنة الحادية عشرة للهجرة، وكان عددها حوالي خمسة عشرة معركة انتصر خالد فيها جميعاً، وهزم الفُرس شر هزيمة، ومن تلك المعارك؛ معركة ذات السلاسل، والثني، والولجة، وأُلَيَّس، وغيرها.[١٥]


معارك فتح الشام

وأهمها معركة اليرموك التي انتصر فيها المسلمون على الروم، وطردوهم من بلاد الشام، وكانت المعركة بقيادة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- ومن معارك خالد في الشام أيضاً؛ معركة مرج الصفر، وفتح دمشق، ومعركة مرج الروم، وفتح حمص وحماة وحلب، وغيرها من مدن الشام.[١٦]


المراجع

  1. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 223. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4262، حديث صحيح.
  3. ابن حجر العسقلاني، الإصابة، صفحة 215. بتصرّف.
  4. سورة الزخرف، آية:31
  5. جهاد الترباني، مائة من عظماء الإسلام غيروا مجرى التاريخ، صفحة 87. بتصرّف.
  6. رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم:1280، حديث صحيح.
  7. البيهقي، دلائل النبوة، صفحة 349. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن قيس بن أبي حازم، الصفحة أو الرقم:4265، حديث صحيح.
  9. ^ أ ب د. عبد العزيز العمري (7/9/2010)، "جوانب من الحياة الشخصية لخالد بن الوليد"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/8/2021. بتصرّف.
  10. ياسين سويد، معارك خالد بن الوليد، صفحة 167. بتصرّف.
  11. ابن الأثير، أسد الغابة، صفحة 140. بتصرّف.