من هو زيد بن حارثة؟

هو الصحابي الجليل أبو أسامة زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان القُضاعي، وأمه سعدى بنت ثعلبة الطائية، وهو من السابقين في الإسلام، ومولى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحِبُّهُ، أهدَتْهُ له السيدة خديجة -رضي الله عنها- بعدما اشتراه لها ابن أخيها حكيم بن حزام، بعد أن تم خطفه من أمه أثناء سفرها، في إحدى غارات الجاهلية، وكان عمره يومئذ ثمانية أعوام، وقد أعتقه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتبناه وأشهد الناس على ذلك، فعُرِف بينهم بزيد بن محمد، وكان من أحب الناس إلى قلبه، وقد اختار زيد البقاء مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورفض العودة مع أبيه حارثة عندما عثر عليه، وظل يُدعى زيد بن محمد حتى نزل تحريم التبني في الإسلام، قال -تعالى-: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ}،[١] وقد كان زيد أحد القادة البارزين في جيوش الغزوات والسرايا.[٢]


زواج زيد بن حارثة من زينب بنت جحش وطلاقه لها

قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتزويج حبه زيد بن حارثة من زينب بنت جحش، وذلك قبل تحريم التبني، فمكثت زينب زوجة عند زيد حوالي سنة أو أكثر، ثمَّ بدأت الخلافات بينهما تظهر وتزداد، فأصبح زيد يشتكي من زينب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويخبره بأنَّه يريد أن يطلّقها، فينهاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، ويأمره بأن يتق الله -تعالى- ولا يطلّقها، مع أنَّّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم عن طريق الوحي بأنَّ زيداً سيُطلّق زينب، وأنَّه سيتزوجها هو، لكنَّه كتم ذلك الأمر ولم يبده، حتى نزل قول الله -تعالى-: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}،[٣] وكان زيدٌ قد طلّق زينب في ذلك الوقت وبانت منه، فتزوّجها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده بأمر من الله -تعالى- وفي ذلك حكمة إلهية عظيمة، وهي إلغاء الاعتقاد السائد حينها بحرمة الزواج من زوجات الأدعياء (المتبَنَّين) بعد طلاقهنّ من أزواجهنّ، وتثبيت تحريم التبني، والتأكيد على أن المُتَبَنى ليس ابن المُتَبَني أبداً ولا تنطبق عليه أحكام الابن.[٤]


صفات زيد بن حارثة الخَلْقية

جاء في وصف زيد بن حارثة -رضي الله عنه- أنَّه كان شديد البياض، وكان ابنه أسامة شديد السواد، فكان الناس يتعجبون من ذلك، وربما همز بعض الناس ولمزوا فيهما، وقد فرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات مرة عندما جاء رجل يميز الأنساب ويعرف القرابة من النظر إلى الأجسام، فنظر إلى أقدام زيد وأسامة وكانا مضطجعين فعرف أنَّهما أب وابن، جاء في الحديث: (دَخَلَ قَائِفٌ وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ شَاهِدٌ وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقالَ: إنَّ هذِه الأقْدَامَ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ، فَسُرَّ بذلكَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَعْجَبَهُ، وَأَخْبَرَ به عَائِشَةَ).[٥][٦]


صفات زيد بن حارثة الخُلُقية

الإخلاص والوفاء

وتتجلى هاتان الصفتان في رفض زيد مفارقة النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما جاء والد زيد باحثاً عنه، وكان يريد أن يأخذه ليعود معه إلى دياره، لكنَّ زيدًا تمسّك بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لشدّة حبه له، وتعلّقه به، وسبب تلك المحبة وذلك التعلّق هو ما رآه زيد من صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه العظيمة التي لم ولن يرَ مثلها عند غيره من الناس، وقد جرت تلك الحادثة قبل البعثة النبوية.[٧]


الإيمان والتصديق

حيث كان زيد من أسرع الناس إيماناً وتصديقاً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو من السابقين الأولين في الإسلام، لأنَّه كان أول من أسلم من الموالي.[٨]


الشجاعة وحب الجهاد

كان زيد بن حارثة -رضي الله عنه- من أبطال الإسلام ومن الفرسان الشجعان، الذين جاهدوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يتخلّفوا عنه، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجعله أميراً على كل جيش يكون فيه، لما يعلم من شجاعته وحبه للجهاد، جاء في الحديث: (ما بعَثَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَيدَ بنَ حارِثةَ في جَيشٍ قَطُّ إلَّا أمَّرَه عليهم، ولو بقِيَ بَعدَه لاستَخْلَفَه).[٩][٧]


فضائل زيد بن حارثة

إنَّ لزيد بن الحارثة -رضي الله عنه- عدداً من الفضائل والخصائص في الإسلام التي لم يشاركه أحد في بعضها، والتي سنوضحها فيما يأتي:[١٠]


تشرفه بالانتساب للرسول

فقد كان يُدعى زيد بن محمد قبل أن يتم تحريم التبني في الإسلام، كما كان يعيش معه ويقوم على خدمته، جاء في الحديث: (ما كُنَّا نَدْعُو زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ إلَّا زَيْدَ بنَ مُحَمَّدٍ حتَّى نَزَلَ في القُرْآنِ {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هو أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}[الأحزاب:5]).[١١]


تفضيله من قبل الرسول بالمحبة وتمييزه عن غيره من الناس

فقد كان يُلقب بحِبِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي حبيبه، جاء في الحديث: (أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَخْزُومِيَّةِ، فقالوا: مَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسامَةُ بنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).[١٢]


تسميته في القرآن باسمه الصريح

فلم يُسم أحد من الصحابة باسمه الصريح في القرآن الكريم إلا زيد بن حارثة، وذلك في قوله -تعالى-: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}.[١٣][١٤]


كفاءته واستحقاقه للإمارة بشهادة الرسول

فقد شهد له بذلك بعد أن طعن بعض الناس في كفاءة ابنه أسامة عندما أمَّره النبي -صلى الله عليه وسلم- على الجيش، فتكلّم النبي -صلى الله عليه وسلم- وشهد لأسامة ولأبيه بالخير والجدارة والمحبة الخاصة، جاء في الحديث: (أَمَّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُسامَةَ علَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا في إمارَتِهِ، فقالَ: إنْ تَطْعَنُوا في إمارَتِهِ فقَدْ طَعَنْتُمْ في إمارَةِ أبِيهِ مِن قَبْلِهِ، وايْمُ اللَّهِ لقَدْ كانَ خَلِيقًا لِلْإِمارَةِ، وإنْ كانَ مِن أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وإنَّ هذا لَمِنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ بَعْدَهُ).[١٥]


نيله للشهادة في سبيل الله في غزوة مؤتة

فقد قُتل فيها وسقط شهيداً من شهداء الإسلام، وقد كان هو الأمير الأول لجيش المسلمين في تلك الغزوة، وقد نعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل موته، وبكى عليه، جاء في الحديث: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَعَى زَيْدًا، وجَعْفَرًا، وابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقالَ: أخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ).[١٦]


المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية:5
  2. ابن الأثير، أسد الغابة، صفحة 350. بتصرّف.
  3. سورة الأحزاب، آية:37
  4. رقم الفتوى: 27512 (16/1/2003)، "قصة وحكمة زواج النبي من زينب بنت جحش"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 16/8/2021. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1459، حديث صحيح.
  6. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 142. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ابن حجر العسقلاني، الإصابة، صفحة 496. بتصرّف.
  8. موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون، صفحة 197. بتصرّف.
  9. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:26410، حديث إسناده حسن.
  10. محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان، صفحة 137. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2425، حديث صحيح.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3732، حديث صحيح.
  13. سورة الأحزاب، آية:37
  14. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 141. بتصرّف.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:4250، حديث صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4262، حديث صحيح.