هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي، وأمّه امرأة من اليمن وهي الصعبة بنت عبد الله الحضرمي، وأخيها العلاء بن الحضرمي، وكانت ممّن نال شرف الهجرة، وكان طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- يُكنّى بأبي محمد.[١]


التعريف بطلحة بن عبيد الله

نشأته

ولد طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- في مكة المكرمة وكان ذلك قبل بعثة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بخمس عشرة سنة، وكان -رضي الله عنه- يعمل في التجارة وهو عمل معظم أهل قريش، فيذهب إلى بلاد الشام بغية شراء البضائع ويعمد إلى بيعها في مكة لا سيما أنّها كانت مقصدا لكافة العرب لوجود الكعبة فيها.[١]


أسرته

تزوج طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- عدداً من النساء، أربعة منهنّ أخواتهنّ تكنّ زوجات لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فأم كلثوم بنت أبي بكر أخت عائشة -رضي الله عنها-، وحمنة بنت جحش أخت زينب -رضي الله عنها-، والفارعة بنت أبي سفيان أخت أم حبيبة -رضي الله عنها-، ورقية بنت أبي أمية أخت أم سلمة -رضي الله عنها-، وقد كان له -رضي الله عنه- عشرة من الأولاد وهم: محمد، والسجاد، وعمران، وموسى، ويعقوب، وإسماعيل، وإسحاق، وزكريا، ويوسف، وعيسى، ويحيى، وصالح، وأربعة من البنات وهنّ: عائشة، وأم إسحاق، والصعبة، ومريم.[٢]

إسلامه

كان طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- من السابقين إلى الإسلام فهو ثامن مَن أسلم، وقد ذُكر في سبب إسلامه أنّه كان قد أتى سوق بصرى، فسمع أحد الرهبان يسأل إن كان في الرّكْب أحد من أهل مكة، فتقدّم إليه طلحة -رضي الله عنه-، فسأله الراهب عن ظهور أحمد وخروجه من بينهم، فأخذ طلحة -رضي الله عنه- يسأله عن أحمد، فأجابه الراهب بأنّه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهو آخر الأنبياء ويكون خروجه من الحرم، فأسرع طلحة -رضي الله عنه- في العودة إلى مكة، وأخذ يسأل إن حدث أمر جديد في غيابه، فأُخبر بمبعث محمد -صلّى الله عليه وسلّم- واتباع أبي بكر -رضي الله عنه- له، فما كان من طلحة -رضي الله عنه- إلّا أن قصد أبي بكر الذي خرج به إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فأسلم -رضي الله عنه-.[٣]


صفاته الخَلقية

كان طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- أبيض اللون، جميلاً حسن الوجه، صغير الأنف، عريض الكتفيْن، ضخم القدمين، كثيف الشعر الذي لم يكن كثير الجعودة ولا ناعماً، بل كان بينهما، مربوع القامة فلم يكن طويلاً ولا قصيراً، بل كان وسطاً بينهما لكنّه أقرب إلى القُصر، سريع المشي، كما كان -رضي الله عنه- لا يقوم بتغيير لون شعره إذا غزاه الشيب.[٤]


صفاته الخُلقية

عُرف طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- بمكارم أخلاقه، فقد كان حليماً، زاهداً، ورعاً، متواضعاً، إلّا أنّ الكرم والجود كان أكثر ما عُرف به -رضي الله عنه- فهو من أغنياء الصحابة الذي عمل بالتجارة من شبابه، وهناك العديد من المواقف التي تُظهر شدة كرمه وسخائه ومنها ما يأتي:[٥]

  • كان -رضي الله عنه- قد باع أرضاً له بسبعمائة ألف، فأصابه التعب والأرق فلم يقدر على النوم ليلاً، لأن المال عنده، فما أن طلع الصبح حتى قام بتوزيعها وتفريقها على المحتاجين.
  • كان -رضي الله عنه- قد أطلق سراح عشرة من أسرى بدر بماله.[٦]
  • كان -رضي الله عنه- يرسل إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في كل عام عشرة آلاف درهم لتوزيعها على الفقراء والمساكين.[٧]
  • كان -رضي الله عنه- لا يترك دائناً، لا يقدر على أدائه من قومه بني تيم إلّا قضى عنه دينه وكفاه، فقد دفع -رضي الله عنه- ثلاثين ألفا سداداً لدين أحدهم، كما دفع ثمانين ألفا سداداً لدين عبيد الله بن معمر، وعبد الله بن عامر بن كريز.[٧]


مناقبه

امتاز طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- بالعديد من المناقب ومنها ما يأتي:[٨]

  • يعد طلحة -رضي الله عنه- من العشرة المبشرين بالجنة، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (عَشَرةٌ في الجنةِ : النبيُّ في الجنةِ، وأبو بكرٍ في الجنةِ..وطلحةُ في الجنةِ).[٩]
  • يعد طلحة -رضي الله عنه- شهيدا يمشي على الأرض، حيث وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال في حديثه: (من سرَّه أن ينظُرَ إلى شهيدٍ يمشي على وجهِ الأرضِ فلينظُرْ إلى طلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ).[١٠]
  • يعدّ طلحة -رضي الله عنه- ممّن قضى نحبه، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من سرَّه أن ينظُرَ إلى رجلٍ يمشي على الأرضِ وقد قضَى نحبَه فلينظُرْ إلى طلحةَ)،[١١] والنّحب هو الموت أو النذر، أي أنّ طلحة -رضي الله عنه- كان قد ألزم نفسه وعاهد الله -تعالى- على القتال في سبيله والدفاع عن رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- حتى الموت.
  • يعدّ طلحة -رضي الله عنه- ممّن نال شرف الهجرة إلى المدينة المنورة.[١]
  • شهد طلحة -رضي الله عنه- مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كافة الغزوات ما عدا غزوة بدر؛ وذلك لأنّ رسول الله كان قد بعثه مع سعيد بن زيد -رضي الله عنه- إلى طريق الشام بغية معرفة الأخبار، وممّا لا شكّ فيه أنّ ذلك يعدّ نوعاً من المشاركة في الغزوة، لذا كان رسول الله قد أوجب له أجره وسهمه من الغزوة، فكان طلحة -رضي الله عنه- يعدّ من البدريين.[١]


ألقابه

حظي طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- بالعديد من الألقاب التي سمّاه بها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بناءً على أفعاله وأحواله ومنها: طلحة الخير وكان ذلك في غزوة أحد، وطلحة الفياض وكان ذلك في غزوة العسرة، وطلحة الجود وكان ذلك في غزوة خيبر، وكل ذلك لشدة كرمه وجوده، ومن ألقابه أيضا: الفصيح، والمليح، والصبيح.[١٢][١٣]


أبرز المواقف من حياة طلحة بن عبيد الله

أُشير مسبقاً إلى أنّ طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- كان ممّن شهد كافة الغزوات مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، إلّا أنّ ثباته في غزوة أحد كان أبرز المواقف من حياته، والذي يشهد له بشجاعته في الجهاد في سبيل الله -تعالى- والدفاع عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والذبّ عنه، حيث كان -رضي الله عنه- من الفئة القليلة التي ثبتت مع رسول الله في غزوة أحد، فقاتل فيها أشدّ القتال حتى أُصيب بخمس وسبعين طعنة وضربة،[١٤] كما كان -رضي الله عنه- قد عمد إلى حمل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على ظهره حتى يُمكِّنه من الصعود على صخرة ليتابع حركة المعركة فقال له رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حينها: (أَوجبَ طَلحةُ)،[١٥] أي وجبت له الجنة،[١٦] وظل طلحة -رضي الله عنه- يقاتل حول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حتى أُصيبت يده بالشلل وقُطعت أصابعه، لما ثبت عن قيس بن أبي حازم -رضي الله عنه- قال: (رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ الَّتي وقَى بها النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ شَلَّتْ).[١٧][١٨]


استشهاد طلحة بن عبيد الله

استشهد طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- في معركة الجمل سنة ست وثلاثين للهجرة، وكان قد بلغ من العمر اثنين وستين سنة وقيل أربع وستين، وقد تمّ دفنه في البصرة،[١٩][٢٠] وكان الخليفة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قد حزن على وفاته حزناً شديداً، فقد ذكر الإمام الذهبي عن الشعبي أنّ علياً -رضي الله عنه- عندما رأى طلحة شهيداً على الأرض عمد إلى مسح الغبار عن وجهه ولحيته وترحم عليه وقال: "ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة"، كما كان أبو حبيبة وهو مولى لطلحة قد أتى علياً مع عمران بن طلحة فرحبّ بهما وقال علي -رضي الله عنه-: "إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك ممّن قال فيهم: (وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ إِخوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ)".[٢١][٢٢]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث "طلحة بن عبيد الله"، قصة اسلام، 1-5-2006، اطّلع عليه بتاريخ 27-9-2021. بتصرّف.
  2. حافظ أسدرم، طلحة بن عبيد الله، صفحة 25-26. بتصرّف.
  3. ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، صفحة 430-431. بتصرّف.
  4. حافظ أسدرم، طلحة بن عبيد الله، صفحة 24-25. بتصرّف.
  5. حافظ أسدرم، طلحة بن عبيد الله، صفحة 64-68. بتصرّف.
  6. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 31. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 538. بتصرّف.
  8. محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 534-537. بتصرّف.
  9. رواه الألباني، في صحيح أبي داود ، عن سعيد بن زيد، الصفحة أو الرقم:4649 ، صحيح.
  10. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:126 ، صحيح.
  11. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم:125 ، صحيح.
  12. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 30. بتصرّف.
  13. حافظ أسدرم، طلحة بن عبيد الله، صفحة 24. بتصرّف.
  14. اسماعيل الأصبهاني، سير السلف الصالحين، صفحة 220. بتصرّف.
  15. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن الزبير بن عوام، الصفحة أو الرقم:3738 ، حسن.
  16. ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، صفحة 431. بتصرّف.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن قيس بن أبي حازم، الصفحة أو الرقم:3724 ، صحيح.
  18. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 26-27. بتصرّف.
  19. اسماعيل الأصبهاني، سير السلف الصالحين، صفحة 221. بتصرّف.
  20. أحمد الأصبهاني، معرفة الصحابة، صفحة 98. بتصرّف.
  21. سورة الحجر، آية:47
  22. الذهبي، سير اعلام النبلاء، صفحة 541. بتصرّف.